شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
জনগুলি
درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
استنبط العلماء من هذه الرواية العظيمة قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وذلك أنه عندما قام خالد فقال: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فتلك مصلحة؛ ليزجر كل متجرئ عن هذا المنكر العظيم.
لكن كان هناك مفسدة أعظم منه، وهي: أن المنافقين والمشركين الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر يفرحون بها أيما فرح، فينشرون بين الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، فيخشى الناس من الدخول إلى الإسلام، وهذه مفسدة أعظم من تلك المصلحة، فراعى النبي ﷺ هذه المفسدة ودرأها، ولم يجلب تلك المصلحة إذ المفسدة أعظم.
ومما يدخل تحت هذه القاعدة مسألة سب الأصنام فإنها مصلحة لا مفسدة، فتسفيه أحلام الذين يعبدونها من دون الله جل وعلا مصلحة، لكن هناك مفسدة أعظم إذا سب المؤمن الصنم، وهي أن يقوم كافرهم وجاهلهم وخبيثهم فيسب الله جل وعلا، وهذه مفسدة أعظم بكثير من مصلحة سب هذه الأصنام، ولذلك منعنا الله من سب الأصنام درءًا للمفسدة فقال: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام:١٠٨]، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
وكذلك تغيير بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فهي الآن ليست كما بناها إبراهيم ﵇، فإن النبي ﷺ دخل على عائشة ﵂ وأرضاها عندما هاله أن رأى قريشًا جعلوا باب الكعبة عالٍ حتى لا يدخل إلا الأماجد الأكارم وكبراء الناس عندهم، وأيضًا رأى أن قواعدها ليست على قواعد إبراهيم، فقال: (لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين: باب يدخل منه الناس)، يعني: كل الناس الفقير منهم والغن، والوضيع والرفيع، (وباب منه يخرجون).
فهذا الحديث أصل في أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
فالمصلحة أن تكون الكعبة على قواعد إبراهيم، فذلك هو مكانها الصحيح؛ وأن يكون باب الكعبة متاحًا؛ ليدخل منه الرفيع والوضيع، ولكن هذا الفعل سينتج عنه مفسدة أعظم، وذلك أنه لو هدم الكعبة وهم دخلوا الإسلام قريبًا، فسيقولون: إنه لا يقدس الكعبة، وآباؤنا كانوا يقدسون الكعبة، فيفتنون عن دينهم، فلذلك راعى النبي ﷺ المفسدة والمصلحة.
8 / 15