شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
জনগুলি
تفضيل النبي ﷺ على سائر الأنبياء
وقوله: (وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين):
لا شك أن النبي ﵊ أفضل بني آدم، كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، وقال: (أنا سيد ولد آدم)، فلا شك أنه أفضل رسل الله وأنبيائه، وتفضيله ﷺ مجمع عليه.
وقد جاءت بعض النصوص مشكلة على هذه المسألة كقوله ﷺ: (لا تفضلوا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بساق العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)، وغيره من الأحاديث التي ظاهرها معارضة ما تقدم من تفضيله ﷺ على غيره من الأنبياء.
فهذا الحديث وما في معناه ينبغي الوقوف على معانيها والمقصود منها، فيقال: هو في هذا المقام المختص حين يصعق الناس يوم القيامة أول من يفيق، لكن هل موسى ﵊ يفيق قبله، أم يكون موسى ممن استثنى الله؟ الجواب: الله أعلم؛ لأن النبي ﷺ لما حدث بالحديث قال: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله)، فيجب في هذه المسألة الوقوف، ويحمل قوله ﷺ: (لا تفضلوا بين الأنبياء) على ما إذا كان التفضيل على جهة التعدي، أو استلزم التفضيل التنقيص أو الإسقاط لحق نبي من الأنبياء.
ويدل لهذا مناسبة الحديث كما في الصحيح: (أن أحد اليهود قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه أحد الصحابة وقال: أتقول هذا ورسول الله ﷺ بين أظهرنا؟! فلما بلغ النبي ﷺ ذلك قال: لا تفضلوا بين الأنبياء).
وليس معنى الحديث منع المسلم أن يعتقد أن محمدًا ﷺ أفضل من غيره وأن موسى ﵇ أفضل من كثير من الأنبياء، فإن الله قد قال في القرآن: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة:٢٥٣] وقال: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ [الإسراء:٥٥]، ولكن من أصول أهل السنة، أنه لا يستطال على أحد من خلق الله لا بحق ولا بغير حق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وهو يذكر مذهب أهل السنة والجماعة في آخر الرسالة الواسطية قال: (ويرون ترك الاستطالة بحق أو بغير حق).
أما الاستطالة بغير حق: فكالاستطالة بمحض الظلم والكذب أو الخطأ أو الغلط، وهذا بين.
وأما الاستطالة بحق: فأن يكون الأصل الذي انطلق منه حقًا ولكنه زاد فيه، ومن أخوف ما يخاف على هذه الأمة، أن يتخذ العلم بغيًا، وهو من أخلاق أهل الكتاب التي لما دخلت وشاعت فيهم، أفسدت ملتهم وجعلتهم شيعًا وأحزابًا.
وهذا مع الأسف يقع كثيرًا في الناس اليوم وقبل اليوم، فيستطال على بعض الأعيان، أو بعض الطوائف بما هو من العلم، ولهذا وقع أول الافتراق في هذه الأمة لما استطال الخوارج بالحق، أي: أنهم استدلوا بالقرآن، وقالوا: لا حكم إلا لله، كان من فقه الإمام علي ﵁ أن قال: (كلمة حق أريد بها باطل).
فينبغي لطالب العلم أن يفقه هذه المسألة وأن يعرف أدب أهل السنة، فإن العلم إنما بُعث هدىً ورحمة، ولم يكن العلم الذي أوحاه الله إلى أنبيائه ورسله ليتخذ بغيًا واستطالة، فإن طلب العلو في الأرض غاية فرعون وأمثاله الذين ذمهم الله في كتابه.
ولهذا لما ذكر الله ﷾ العلو المناسب للمؤمنين جعله مطلقًا، فقال: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران:١٣٩]، ولما ذكر فرعون قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ﴾ [القصص:٤] فالعلو المناسب للمؤمن هو العلو الإيماني، الذي يقوم على العدل والرحمة، ولهذا لما ذكر الله سبحانه الخضر قال: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف:٦٥]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: (الرسل بعثوا بالعلم والرحمة، فالرحمة بلا علم جهل، والعلم بلا رحمة ظلم وبغي)، وموجب الخطأ في بني آدم إما الجهل وإما الظلم، قال الله تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:٧٢].
5 / 11