شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
জনগুলি
الأصل الثاني: الكتابة
الأصل الثاني: الإيمان بأن الله ﷾ كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، كما قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:٣٨]، وكما قال النبي ﷺ كما في صحيح البخاري من حديث عمران، أن النبي ﷺ قال: (وكتب في الذكر كل شيء).
فسائر أفعال العباد مكتوبة قبل خلقهم، ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي ﷺ قال: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، والكتابة جاءت مجملة ومفصلة.
ويدخل في عموم الإيمان بهذا الأصل ما تكتبه الملائكة عن كون الإنسان المعين، من الرزق والأجل، والشقاوة والسعادة، وكونه ذكرًا أو أنثى، كما جاء في الصحيحين من غير وجه عن عبد الله بن مسعود، وكما جاء في الصحيح من حديث حذيفة بن أسيد عن النبي ﷺ أنه قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ..
إلخ) وهو حديث مشهور معلوم.
وهذا الأصل دليله السمع، وهو الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة، بمعنى: أن الله لولا أنه أخبرنا في كتابه، وأن رسوله ﷺ حدثنا بهذا الأصل؛ لما كان من شرط العقل أو اقتضاء الفطرة إثبات الكتابة، بخلاف الأصل الأول (العلم) فإن الإيمان به سمعي، وفطري وعقلي.
ولا يُفهم من هذا أن العقل أو الفطرة تنازع في هذا الأصل أو تنافيه؛ فإن عندنا قاعدة، وهي: أن كل ما أخبر به الله ﷾ أو أخبر به رسله فإنه لا بد أن يكون موافقًا للعقل والفطرة، ولكن فرق بين كون هذا الخبر عُلم بالسمع، ثم العقل والفطرة لا تنافيه، وبين كونه معلومًا بأصل العقل أو الفطرة، ونزل الخبر به.
ولهذا فإننا إذا ذكرنا الصفات مثلًا، فقلنا: إن صفة العلو دليلها العقل والشرع، فمعنى هذا: أن العقل والفطرة تدل على إثبات علو الرب سبحانه، وأما صفة الاستواء على العرش فهي صفة دل عليها الشرع؛ لأن الله أخبرنا أنه استوى على العرش، فالعقل قبل ورود الشرع لا يدركها ولا يقتضيها؛ لأنها غيب محض، ولكن كل ما أخبر به الشرع مما جاء في الكتاب أو السنة الثابتة عن النبي ﷺ فإن العقل والفطرة يقتضيه حال كونه خبرًا ثابتًا، وفرق بين دلالة العقل على الشيء حال كونه خبرًا ثابتًا، وبين دلالة العقل على الشيء قبل ثبوته.
وقد قرر شيخ الإسلام ﵀ قاعدة وهي: (أن الرسل تخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول).
ومراده بالمحارات: أي ما يتحير العقل في تصوره، لكن لا يمكن أن يحيل العقل شيئًا أخبرت به الرسل، فمن أحال عقله شيئًا من ذلك، فهذا دليل على فساد في عقله، وغلط في فهمه وإدراكه.
4 / 6