فهم السلف الصالح
وهنا يتميز أهل السنة والجماعة بخصيصة: أنهم يأخذون عقيدتهم على ضوء فهم أصحاب رسول الله ﷺ لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، لا يأتون بفهومهم هم، وإنما يأخذون بفهم الصحابة، وفهم الصحابة هو العمدة؛ نظرًا لأنهم عاصروا التنزيل، وأدرى بمقاصد الشرع، ولأن الرسول ﷺ قد بين لهم كل شيء، ولم يترك شيئًا من أمور الدين في مسائل الاعتقاد أو الفروع إلا وقد وضحها لهم، وقد قال فيهم النبي ﷺ: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) وبذلك كان اعتمادنا على فهم أصحاب رسول الله ﷺ اعتمادًا قويًا في مصادر التلقي.
ذُكر في مسائل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإن كنا قلنا في الدرس الماضي: إن سلف الأمة دائمًا ينتسبون إلى الإمام أحمد ﵀ ورضي الله عنه لما تميز به، فكتب في رسالته لـ عبيد الله بن يحيى كما روى الإمام ابن الجوزي بسنده عن عبد الله ابن الإمام أحمد، قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان يبين له منهجه ﵁ وأرضاه: "لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتابٍ أو حديثٍ عن رسول الله ﷺ أو عن أصحابه ﵃، أما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود".
ونجد أمرًا عجيبًا وتنبيهًا لطيفًا هنا: مسائل الاعتقاد نجد أنها جاءت تلقينية: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص:١-٢] ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [الكافرون:١-٢] ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [البقرة:١٣٦] ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ [الأنعام:١٤] ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام:١٩] ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [غافر:٦٦] ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا﴾ [الأنعام:٧١] كلها مسائل عقيدة تلقن الأمة إلى قيام الساعة أن تتمسك بها، مما يدل على أنها توقيفية يُتبع فيها كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وبهذا نعلم أن العقيدة هي ما يدين الإنسان به ربه، ويؤمن به في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
بعد أن أخذنا مصادر العقيدة، ننطلق فنتكلم عما تتميز به العقيدة الإسلامية، ونقول: إنها تتميز بمزايا:
5 / 5