شرح حديث ابن عباس في الفرائض
شرح حديث ابن عباس في الفرائض
প্রকাশক
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
সংস্করণের সংখ্যা
السنة الخامسة والثلاثون. العدد الواحد والعشرون بعد المائة. (١٤٢٤هـ) / ٢٠٠٤م
জনগুলি
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد: فإن الله ﷾ بعث محمدا ﷺ بجوامع الكلم ٤، وخصه ببدائع الحكم٥، فعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: "بعثت بجوامع الكلم " ٦.
_________
١ سورة آل عمران الآية١٠٢
٢ سورة النساء الآية١
٣ سورة الأحزاب الآية ٧٠-٧١
٤ جوامع الكلم هو إيجاز اللفظ مع تناوله المعاني الكثيرة جدا. انظر شرح صحيح مسلم للنووي١٣/١٧٠.
٥ انظر جامع العلوم والحكم١/٥.
٦ أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب قول النبي ﷺ "نصرت بالرعب مسيرة شهر" ٦/١٢٨ ط مع الفتح، ومسلم بنحوه في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة١/٣٧١، ٣٧٢.
1 / 93
ومن الأحاديث الجوامع للكلم حديث عبد الله بن عباس ﵄ عن النبي ﷺ قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في مقدمته لكتاب " جامع العلوم والحكم " حيث قال ﵀: " لأنه الجامع لقواعد الفرائض التي هي نصف العلم "١.
فرغبت شرح هذا الحديث مع بيان الأحكام الفرضية المستنبطة منه وقد جمعت ما يتعلق بهذا الحديث من كتب المحدثين والفقهاء والفرضيين التي تيسر لي الوقوف عليها وقد كان من أسباب اختياري لشرح هذا الحديث غير ما ذكر ما يأتي:-
١- بيان كلام أهل العلم في الحكمة في تقييد الرسول ﷺ الرجل يكونه ذكرا.
٢- جمع ما تفرق من الأحكام المستنبطة من هذا الحديث في مكان واحد.
٣- رغبة المساهمة في جمع ما يتعلق بهذا الحديث: رواية ودراية حيث إني لم أجد حسب اطلاعي القاصر من قام بذلك.
وقد رتبته على تمهيد وخمسة مباحث وخاتمة.
التمهيد: في التعريف بعلم الفرائض، ويشتمل على ثلاثة مطالب:-
المطلب الأول: تعريف الفرائض لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: أهمية علم الفرائض في الكتاب والسنة
المطلب الثالث: أقسام الإرث
المبحث الأول: ألفاظ الحديث وتخريجها
_________
١ جامع العلوم والحكم١/٩
1 / 94
المبحث الثاني: معاني مفردات الحديث
المبحث الثالث: المعنى الإجمالي للحديث
المبحث الرابع: الحكمة في تقييد الرجل بكونه ذكرا
المبحث الخامس: الأحكام المستنبطة من الحديث
وفيه ثلاثة مطالب:-
المطلب الأول: الأحكام المتفق عليها بين الأئمة الأربعة.
المطلب الثاني: الأحكام الراجحة من الحديث
المطلب الثالث: الأحكام المرجوحة من الحديث
الخاتمة في نتائج البحث
وسرت على المنهج الآتي:-
١- قمت بجمع المادة العلمية، ثم ترتيبها على حسب ما أراه مناسبا.
٢- رجعت إلى الكتب المعتمدة في جمع ما يتعلق بهذا الحديث سواء من كتب الحديث أو الفقه أو الفرائض، وحاولت النقل من المصدر الأقدم في الغالب.
٣- سلكت في الأحكام المستنبطة من الحديث الطريقة الآتية:-
أ - إذا كان الحكم متفق عليه بين الأئمة الأربعة، فإني أقتصر على ذكر من حكى الاتفاق فقط.
ب - إذا كان الحكم المستنبط من الحديث هو القول الراجح، فإني أذكر من قال بهذا القول من العلماء، ثم أذكر من خالف في ذلك من العلماء المشهورين مع ذكر دليلين لما استدلوا به والجواب عنهما.
ج - إذا كان الحكم المستنبط من الحديث هو: القول المرجوح، فإني أذكر من قال بهذا القول من العلماء المشهورين، ثم أذكر القول الراجح ومن
1 / 95
قال به من العلماء المشهورين، وذكر ما تيسر من أدلتهم، ثم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث.
٣- قمت بعزو الآيات إلى سورها مع بيان رقم الآية.
٤- قمت بتخريج الأحاديث الواردة في البحث، فإذا كان الحديث في الصحيحين فإني اكتفي بذلك، وإذا كان في أحدهما فإني أضم إلى ذلك تخريجه من السنن الأربعة ومسند الإمام أحمد، وإذا كان في غيرهما فإني أخرجه من السنن الأربعة، وأذكر ما وقفت عليه من كلام المحدثين حول الحديث صحة أو ضعفا.
٥- قمت بتوضيح الكلمات الغريبة.
هذا ما تيسر لي بحثه، مع اعترافي بالتقصير لكني ولله الحمد والمنة بذلت ما في وسعي من بحث ووقت وجهد، فأسأل الله ﷿ أن ينفعني به، وينفع به من قرأه والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 96
التمهيد
المطلب الأول تعريف الفرائض لغة واصطلاحا
...
التمهيد
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الفرائض لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: أهمية علم الفرائض في الكتاب والسنة
المطلب الثالث: أقسام الإرث
1 / 97
المطلب الأول: تعريف الفرائض لغة واصطلاحا
الفرائض لغة: جمع فريضة مأخوذة من الفرض، والفرض له معان كثيرة منها ما يأتي:
١- الحز، ومنه فرض القوس وهو الحز الذي في طرفه حيث يوضع الوتر.
٢- القطع، ومنه قولك فرضت لفلان كذا من المال أي قطعت له.
٣- الوجوب، تقول: فرضت الشيء أفرضه فرضا أي أوجبته، ومنه قوله تعالى ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ ١ أي ألزمناكم العمل بما فرض فيها.
٤- التبيين، ومنه قوله تعالى ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم﴾ ٢ أي بين لكم ما تتحللون به من الأيمان التي عقدتموها.
٥- الفرض الهبة، يقال ما أعطاني فرضا ولا قرضا.
٦- المفروض المقتطع المحدود، ومنه قوله تعالى ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ ٣ أي نصيبا محددا ومقطوعا.
٧- الفريضة ما فرض من السائمة من الصدقة، والفريضة الهرمة المسنة ٤.
وأما تعريف الفرائض في الاصطلاح فلها عدة تعاريف، وسأقتصر على بعض تعريفات الفرضيين لها.
التعريف الأول:
فقه المواريث، وعلم الحساب الموصل لمعرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
_________
١ سورة النور الآية ١
٢ سورة التحريم الآية ٢
٣ سورة النساء الآية٧
٤ انظر: الصحاح ٣/١٠٩٧، ١٠٩٨، ولسان العرب ٧/٢٠٢ – ٢٠٦، والقاموس المحيط ٢/ ٣٣٩، ٣٤٠، وتاج العروس ١٨/ ٤٧٥-٤٨٨.
1 / 98
وهذا التعريف للشيخ العلامة الفرضي أحمد بن محمد بن الهائم، والشيخ العلامة الفرضي عبد الله بن محمد الشنشوري، والشيخ العلامة الفرضي عبد القادر بن أحمد بن بدران من الحنابلة١.
التعريف الثاني:
فقه المواريث، وما ضم إلى ذلك من حسابها.
وهذا التعريف للشيخ العلامة الفرضي صالح بن حسن البهوتي، وتبعه عليه كل من الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن سيف، والشيخ عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم، والشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد، وسماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز٢.
التعريف الثالث:
معرفة من يرث، ومن لا يرث، ومن يحجب، ومن لا يحجب
وهذا تعريف الأخضري من المالكية٣.
التعريف الرابع:
علم بأصول من فقه وحساب، تعرف حق كل من التركة
وهذا تعريف الشيخ عبد الملك البتني من الحنفية٤.
وفي النظر في هذه التعاريف أجد أن التعريف الأول، والثاني، والرابع تعاريف جامعة تشمل على فقه الفرائض وعلى حساب الفرائض بخلاف التعريف الثالث فإنه
_________
١ انظر كفاية الحفاظ مع شرحها نهاية الهداية١/١٠٤؛ وفتح القريب المجيب شرح كتاب الترتيب١/٥؛ والبدرانية في شرح الفارضية ص٧،٨.
٢ انظر عمدة كل فارض مع شرحها العذب الفائض١/١٢؛ وحاشية الرحبية ص٩؛ وعدة الباحث ص٣، والفوائد الجلية في المباحث الفرضية ص٥.
٣ انظر شرح الدرة البيضاء ص٤١
٤ انظر شرح خلاصة الفرائض ص٤،٥
1 / 99
تعريف غير جامع حيث لا يشتمل على حساب الفرائض.
وأجد كذلك أن التعريف الثاني مشابه للتعريف الأول إلا أن الجزء الثاني من التعريف الثاني يعتبر مختصرا من الجزء الثاني من التعريف الأول، وهذا الاختصار غير مخل للمقصود من التعريف.
المطلب الثاني: أهمية علم الفرائض في الكتاب والسنة أهمية الفرائض في الكتاب تتضح مما يأتي: ١- فصل الله ﷾ الفرائض ثلاث آيات من كتابه أكثر من غيرها مثل الصلاة فهي مجملة في كتاب الله وبينها رسول الله ﷺ بيانا شافيا١. ولهذا: ذكر الحافظ ابن كثير: إن علم الفرائض مستنبط من هذه الآيات الثلاث وهي الآية الحادية عشرة، والآية الثانية عشرة والآية الأخيرة من سورة النساء٢. ٢- أن الله سبحانه تولى قسمة الفرائض بنفسه فلم يكلها إلى ملك مقرب، ولا إلى نبي مرسل، بل بينها سبحانه في محكم كتابه٣. ٣- أن الله ﷿ جعل هذا التقسيم فريضة كما قال تعالى في آخر الآية الأولى من آيات الفرائض ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ٤. _________ ١ انظر التحقيقات المرضية ص١٢ ٢ انظر تفسير ابن كثير١/٤٥٧. ٣ انظر فقه المواريث١/١١ ٤ سورة النساء الآية ١١
المطلب الثاني: أهمية علم الفرائض في الكتاب والسنة أهمية الفرائض في الكتاب تتضح مما يأتي: ١- فصل الله ﷾ الفرائض ثلاث آيات من كتابه أكثر من غيرها مثل الصلاة فهي مجملة في كتاب الله وبينها رسول الله ﷺ بيانا شافيا١. ولهذا: ذكر الحافظ ابن كثير: إن علم الفرائض مستنبط من هذه الآيات الثلاث وهي الآية الحادية عشرة، والآية الثانية عشرة والآية الأخيرة من سورة النساء٢. ٢- أن الله سبحانه تولى قسمة الفرائض بنفسه فلم يكلها إلى ملك مقرب، ولا إلى نبي مرسل، بل بينها سبحانه في محكم كتابه٣. ٣- أن الله ﷿ جعل هذا التقسيم فريضة كما قال تعالى في آخر الآية الأولى من آيات الفرائض ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ٤. _________ ١ انظر التحقيقات المرضية ص١٢ ٢ انظر تفسير ابن كثير١/٤٥٧. ٣ انظر فقه المواريث١/١١ ٤ سورة النساء الآية ١١
1 / 100
٤ - أن الله ﷾ وعد من أطاعه في تقسيم الفرائض على وجهها الشرعي دخول الجنة، وهذا فضل عظيم يدل على أهمية الفرائض. قال تعالى بعد أن ذكر الآية الأولى والثانية من آيات الفرائض ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ١.
٥- أن الله ﷾ توعد من لم يطعه أو لم يطع رسوله ﵊، وتعدى حدود الله ﷿؛ وذلك بأن لم ينفذ فرائضه ومنها تقسيم الفرائض على الوجه الشرعي بدخول النار. قال تعالى ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ ٢.
ولهذا قال الحافظ ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين ما نصه: " أي هذه الفرائض، والمقادير التي جعلها الله للورثة - بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه - هي: حدود الله فلا تعتدوها، ولا تجاوزوها؛ ولهذا قال ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه﴾ أي فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ ٣ أي لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم " ٤.
وأما أهمية الفرائض في السنة فتتضح في الآتي:
_________
١ سورة النساء الآية ١٣
٢ سورة النساء الآية١٤
٣ سورة النساء آية ١٣،١٤
٤ تفسير ابن كثير١/٤٦١.
1 / 101
١- أن الرسول ﷺ أمر بتنفيذ الفرائض على وجهها الشرعي كما في أول هذا الحديث الذي أنا بصدد شرحه.
٢- أن الرسول ﷺ بين بعض أحكام الفرائض ومنه آخر هذا الحديث الذي أنا بصدد شرحه حين وضح الرسول ﷺ مصرف التركة بعد أصحاب الفرائض. ومنه ميراث الجدة فقد ثبت بالسنة النبوية الصحيحة، فعن قبيصة بن ذؤيب أنه قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ﵁ تسأله ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله ﷺ أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثلما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق١.
٣- أن الرسول ﷺ روي عنه عدة أحاديث في فضل علم الفرائض وفي الحث على تعلمها وسأقتصر على حديثين مما اشتهر عند علماء الفرائض.
الحديث الأول:
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله عليه وسلم " يا أبا هريرة تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول
_________
١ أخرجه أبو داود في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة٣/٣١٦-٣١٧، والترمذي في أبواب الفرائض باب ميراث الجدة٤/٤١٩-٤٢٠، وابن ماجه في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة٢/٩٠٩-٩١٠، والإمام مالك في الموطأ في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة٢/٥١٣، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير٣/٨٢ " إسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق ولا يمكن شهوده للقصة قاله ابن عبد البر بمعناه ".
1 / 102
شيء ينزع من أمتي " ١.
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: " تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها " ٢.
_________
١ أخرجه ابن ماجه في كتاب الفرائض باب الحث على تعليم الفرائض٢/٩٠٨، والدارقطني٤/٦٧، والحاكم في مستدركه٤/٣٣٢، وسكت عنه ولم يوافقه الذهبي حيث قال: قلت حفص واه بمرة. والبيهقي في السنن الكبرى٦/٢٠٩، وقال تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي، والعقيلي في الضعفاء١/٢٧١، في ترجمة حفص بن عمر وقال: "ولا يتابع عليه لا يعرف إلا به"، وابن حبان في المجروحين١/٢٥٥، في ترجمة حفص بن عمر وقال: "لا يجوز الاجتجاج به بحال "، وابن عدي في الكامل٢/٧٩١ في ترجمة حفص بن عمر، وقال: "وحديثه كما ذكر البخاري منكر الحديث". والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٣/٣١٩، وابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية١/١٢٨-١٢٩، وقال: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه سلم، والمتهم به حفص بن عمر بن أبي العلاف قال البخاري هو منكر الحديث رماه يحيى النيسابوري بالكذب"، والمزي في تهذيب الكمال٧/٤، وقال الحافظ بن حجر في التلخيص الحبير٣/٧٩: ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك والحديث مشهور عند الفرضيين، وقد حسن سند ابن ماجه سبط المارديني في شرحه على المنظومة الرحبية ص ٢٣، وحكم عليه الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني في كتابه مختصر المقاصد الحسنة ص ٨٦ بقوله حسن لغيره.
٢ أخرجه النسائي في السنن الكبرى في كتاب الفرائض باب الأمر بتعليم الفرائض٤/٦٤ وأشار إليه الترمذي في كتاب الفرائض باب ما جاء في تعليم الفرائض /٤١٤ حيث ذكر سنده ولم يذكر لفظه، والحاكم في مستدركه٤/٣٣٣ واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦/٢٠٨، والمزي بسنده العالي في تهذيب الكمال١١/٣٧٨، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد٤/٢٢٣، رواه أبو يعلى، والترمذي وفي إسناده من لم أعرفه وفي سنده سليمان ابن جابر الهجري، قال الذهبي في ميزان الاعتدال٢/١٩٨: "شيخ ... ولا يعرف سليمان "، وقال الحافظ بن حجر في التقريب١/٣٢٢ مجهول وهذا الحديث مشهور عند الفرضيين وقد قال سبط المارديني في شرحه على المنظومة الرحبية ص٢٣ "وحسنه المتأخرون ".
1 / 103
المطلب الثالث أقسام الإرث
إرث بالفرض
...
المطلب الثالث: أقسام الإرث
الإرث ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إرث بالفرض.
القسم الثاني: إرث بالتعصيب.
* فالقسم الأول: الإرث بالفرض.
والفروض المقدرة ستة في كتاب الله، والسابع ثلث الباقي ثبت بالاجتهاد، وإليك ملخص ذلك:
١- أصحاب النصف وهم ستة:
أ - الزوج ويستحقه بشرط واحد وهو: عدم الفرع الوارث الذي هو الابن وابن الابن وإن نزل بمحض الذكور، والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور.
ب - البنت وتستحقه بشرطين وهما: عدم المعصب وهو أخوها؛ لأن وجود الابن ينقلها إلى التعصيب. وعدم المشارك وهو أختها؛ لأن وجود بنت أخرى تنتقل هي وإياها إلى الثلثين.
ج - بنت الابن وتستحقه بثلاثة شروط وهي: عدم المعصب وهو ابن الابن. وعدم المشارك وهي بنت الابن الأخرى. وعدم الفرع الوارث الذي هو أعلا منها من ابن فيحجبها وبنت فتنقلها إلى السدس تكملة للثلثين.
1 / 104
د - الأخت الشقيقة وتستحقه بأربعة شروط وهي: عدم المعصب، وهو الأخ الشقيق. وعدم المشارك وهي الأخت الشقيقة الأخرى، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث من أب أو جد.
هـ - الأخت لأب وتستحقه بخمسة شروط وهي: عدم المعصب وهو الأخ لأب، وعدم المشارك وهي الأخت لأب الأخرى. وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث من أب أو جد، وعدم الأخ الشقيق والأخت الشقيقة.
٢- أصحاب الربع وهم اثنان:
أ - الزوج ويستحقه بشرط واحد وهو: وجود الفرع الوارث وهم الأولاد وأولاد الأبناء.
ب - الزوجة وتستحقه بشرط واحد وهو: عدم الفرع الوارث.
٣- صاحب الثمن وهو واحد:
الزوجة وتستحقه بشرط واحد وهو وجود الفرع الوارث.
٤- أصحاب الثلثين وهم أربعة:
أ - البنات ويستحقنه بشرطين: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب.
ب - بنات الابن ويستحقنه بثلاثة شروط وهي: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الفرع الوراث الذي هو أعلا منهن.
ج - الأخوات الشقيقات ويستحقنه بأربعة شروط وهي: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث.
د- الأخوات لأب ويستحقنه بخمسة شروط وهي: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث، وعدم الأخ الشقيق والأخت الشقيقة.
1 / 105
٥- أصحاب الثلث وهما اثنان:
أ - الأم وتستحقه بثلاثة شروط وهي: عدم الفرع الوارث، وعدم الجمع من الإخوة مطلقا، وعدم كون المسألة إحدى الغراوين.
ب - الإخوة لأم ويستحقونه بثلاثة شروط وهي: وجود المشارك، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث.
٦ - أصحاب السدس وهم سبعة:
أ - الأم وتستحقه بشرط واحد وهو: وجود الفرع الوارث أو وجود الجمع من الإخوة.
ب- الأب ويستحقه بشرط واحد وهو: وجود الفرع الوارث.
ج- الجد ويستحقه بشرطين وهما: عدم الأب، ووجود الفرع الوارث.
د- بنت الابن فأكثر وتستحقه بشرطين وهما: عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف من بنت أو بنت ابن أعلى منها فإنها لا تستحق السدس إلا معها تكملة للثلثين.
هـ- الأخت لأب فأكثر وتستحقه بشرطين وهما: عدم المعصب، وكونها مع أخت شقيقة مستحقة للنصف فرضا.
وولد الأم وهو الأخ لأم أو الأخت لأم ويستحقه بثلاثة شروط وهي: عدم المشارك، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث.
ز- الجدة وتستحقه بشرط واحد وهو: عدم الأم.
وأما ثلث الباقي فتستحقه الأم في المسألتين الغراوين وهما: زوج، وأم، وأب، أو زوجة، وأم، وأب.
* وأما القسم الثاني فهو الإرث بالتعصيب والتعصيب ينقسم إلى قسمين:
* وأما القسم الثاني فهو الإرث بالتعصيب والتعصيب ينقسم إلى قسمين:
1 / 106
القسم الأول وهو العصبة بالنسب.
القسم الثاني وهو العصبة بالسبب.
فالقسم الأول: العصبة بالنسب ينقسم إلى أنواع ثلاثة:
١- عصبة بالنفس، وأصنافهم اثنا عشر وهم على الترتيب الآتي:
الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب.
٢- عصبة بالغير وأصنافهم أربعة:
أ - البنت فأكثر مع الابن فأكثر.
ب - بنت الابن فأكثر مع ابن الابن فأكثر.
ج - الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق فأكثر.
د - الأخت لأب مع الأخ لأب فأكثر.
٣- عصبة مع الغير وهما صنفان:
أ - الأخت الشقيقة فأكثر مع البنت، أو بنت الابن فأكثر.
ب - الأخت لأب فأكثر مع البنت، أو بنت الابن فأكثر.
والقسم الثاني من العصبة عصبة السبب أي الولاء وهم المعتق أو المعتقة، ثم عصبتهما المتعصبون بأنفسهم وهم الذكور فقط، وحصرهم وارد كما في القسم الأول من العصبة.
وما ذكرته هو ملخص الورثة واستحقاقهم، ومن أراد التفصيل مع التمثيل فهو موجود في كتب الفرضيين١.
_________
١ انظر فتح القريب المجيب١/١٧-٣١، والعذب الفائض١/٤٦-٩٣، والفوائد الجلية ص٩-١٦.
1 / 107
المبحث الأول: ألفاظ الحديث وتخريجها
والحديث له لفظان وإليك تخريجهما:
اللفظ الأول:
عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ قال: " ألحقوا لفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" أخرجه البخاري في كتاب الفرائض باب ميراث الولد من أبيه وأمه١، وفي باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن٢، وفي باب ميراث الجد مع الأب والإخوة٣، وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج٤.
وأخرجه مسلم في كتاب الفرائض باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر٥.
وأخرجه الترمذي في كتاب الفرائض باب في ميراث العصبة٦، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى في كتاب الفرائض باب ابنة الأخ مع أخت لأب وأم٧
_________
١ صحيح البخاري١٢/١١ ط مع الفتح.
٢ صحيح البخاري١٢/١٦
٣ صحيح البخاري١٢/١٨
٤ صحيح البخاري١٢/٢٧
٥ صحيح مسلم٣/١٢٣٣
٦ سنن الترمذي٤/٤١٨
٧ سنن النسائي الكبرى٤/٧١
1 / 108
اللفظ الثاني:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ " أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر "
أخرجه مسلم في كتاب الفرائض باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر١.
وأخرجه أبو داود في كتاب الفرائض باب في ميراث العصبة٢.
وأخرجه ابن ماجه في كتاب الفرائض باب ميراث العصبة٣.
_________
١ صحيح مسلم٣/١٢٣٤
٢ سنن أبي داود٣/٣١٩
٣ سنن ابن ماجه٢/٩١٥
1 / 109
المبحث الثاني: معاني مفردات الحديث
ألحقوا: بفتح الهمزة وكسر الحاء أي أوصلوا١.
الفرائض: الألف واللام للعهد وهي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس٢.
بأهلها: من يستحقها بنص كتاب الله عز وجل٣.
اقسموا: فعل أمر من القسم وهو فرز المال إلى أجزاء٤.
المال: المراد بالمال هنا هو ما خلفه الميت.
أهل الفرائض: أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله، والمراد بأهلها المستحقون لها بنص القرآن٥.
على كتاب الله: أي على وفق ما نزل في كتابه٦.
فما بقي: أي فضل بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم المقدرة لهم٧.
فلأولى رجل ذكر: أقرب رجل ذكر، فلأولى بفتح الهمزة واللام وبينهما واو ساكنة، أفعل تفضيل مأخوذة من الولي بسكون اللام على وزن الرمي، وهو
_________
١ انظر مرقاة المفاتيح٦/٢٢٩
٢ انظر إحكام الأحكام٤/١٥، وإكمال إكمال المعلم٥/٥٦٠، وفتح الباري١٢/١١
٣ انظر فتح الباري١٢/١١.
٤ انظر المصباح المنير٢/٥٠٣
٥ انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود٨/١٠٤
٦ انظر فتح الباري١٢/١١
٧ انظر إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام٣/٢٣٠
1 / 110
القرب أي لمن يكون أقرب في النسب. وليس المراد بأولى هنا أحق بخلاف قولهم الرجل أولى بماله؛ لأنه لو حمل هنا على أحق لخلي عن الفائدة؛ لأنا لا ندري من هو الأحق١.
_________
١ انظر معالم السنن٤/٩٧، وشرح النووي على صحيح مسلم١١/٥٣، وفتح الباري ١٢/١١، والعذب الفائض١/٧٩.
1 / 111
المبحث الثالث: المعنى الإجمالي للحديث
اختلف شراح الحديث في المعنى الإجمالي لهذا الحديث على قولين:
القول الأول: وهو المشهور عند كثير من شراح الحديث، وممن ذكر ذلك الخطابي، وابن بطال، والبغوي، وابن دقيق العيد، والحافظ ابن حجر، والعيني، والصنعاني، والشوكاني، وعبد العظيم آبادي١، ونص عليه من الفرضيين الشيخ عبد الله الشنشوري، والشيخ إبراهيم الباجوري، والشيخ العلامة صالح بن فوزان ٢.
ويتلخص معنى هذا الحديث على هذا القول: اعطوا الفرائض المقدرة لمن سماها الله لهم فما بقي بعد هذه الفروض، فيستحقه أولى الرجال أي لأقرب رجل ذكر.
القول الثاني: ذكره الحافظ ابن رجب واختاره: أن المراد بقوله ﵊ " ألحقوا الفرائض بأهلها " وقوله ﵊ " اقسموا المال بين أهل الفرائض " جملة من سماه الله في كتابه من أهل المواريث من ذوي الفروض والعصبات كلهم فإن كل ما يأخذه الورثة فهو فرض فرضه الله لهم سواء كان مقدرا أو غير مقدر كما قال بعد ذكر ميراث الوالدين، والأولاد ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ ٢ وفيهم ذو فرض وعصبة، وكما قال ﴿لِلرِّجَالِ
_________
١ انظر: معالم السنن ٤/٩٧؛ وشرح صحيح البخاري لابن بطال ٨/٣٤٨، وشرح السنة ٨/٣٢٦؛ وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ٤/١٦؛ وفتح الباري ١٢/١١؛ وعمدة القارئ شرح صحيح البخاري ٢٣/٣٢٦؛ وسبل السلام ٣/١٤٩، ١٥٠؛ ونيل الأوطار ٥/١٧٠، وعون المعبود ٨/١٠٤.
٢ سورة النساء الآية ١١
1 / 112