127

شرح العقيدة الطحاوية - عبد العزيز الراجحي

شرح العقيدة الطحاوية - عبد العزيز الراجحي

জনগুলি

هذا دليل على أن النبي ﷺ لم ير ربه بعيني رأسه في ليلة المعراج؛ لأن الحجاب يمنعه من رؤية الله؛ لأنه احتجب عن جميع خلقه بالنور، هذه الأدلة كلها تدل على أن النبي ﷺ لم ير ربه بعيني رأسه.
وأما أهل القول الثالث الذين توقفوا قالوا: نتوقف يعني ما ندري لا نقول: إن النبي ﷺ رأى ربه بعينى رأسه، ولا نقول: إنه لم يره، وهذا رواية القرطبي ﵀ والقاضي عياض وغيرهما قالوا: نحن نتوقف لا نقول: إن النبي ﷺ رأى ربه، ولا نقول: إنه لم ير، قالوا: الأن الأدلة متكافئة، أدلة هؤلاء تكافئ هؤلاء، وليس في المسألة دليل قاطع واستدل به هؤلاء وما يستدل به هؤلاء ظواهر قابلة للتأويل؛ فلذلك توقفوا ما تبين لهم الأمر، قالوا: نحن نتوقف لا نقول: رآه، ولا ما رآه؛ لأن هؤلاء لهم أدلة، وهؤلاء لهم أدلة، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وبهذا لا نجزم بأحد القولين، فلا نقول: إنه يراه، ولا: إنه لم يره، فنتوقف في المسألة.
والصواب في المسألة والراجح من هذه الأقوال القول بأن النبي ﷺ لم ير ربه بعيني رأسه، هذا هو الصواب؛ لأن الأدلة التي استدلوا بها صريحة واضحة وكون القاضي والقرطبي ما تبين لهم هذه الأدلة هذا يدل على تفاوت الناس في الأفهام، الناس يتفاوتون في الأفهام هم لم يتبين، ولكن يتبين لغيرهم فقول الله -تعالى-: ﴿* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ صريح فالنبى ﷺ وكلمه الله من وراء حجاب.
وكذلك حديث أبي ذر (حجابه النور) وكذلك حديث " النار " وحديث أبي ذر (رأيت نورًا) صريح أدلة صريحة في أن النبي ﷺ محجوب عن ربه بالنور، وأن الله احتجب عن جميع خلقه، ومنهم محمد ﷺ وأن أي مخلوق لا يثبت لرؤية الله في الدنيا، وذلك؛ لأن الرؤية نعيم فلا تكون إلا لأهل الجنة فلا تكون للأنبياء، ولا لغيرهم فلا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا أولًا؛ لأنه لا يستطع أن يثبت لرؤية الله فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله؟ فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يثبت لرؤية الشمس وهي مخلوقة؟، هل تستطيع أن تثبت لرؤية الشمس؟ تحدق في الشمس بعينك تنعمي تعمى لو حدقت في الشمس، ذهب بصر عينك ما تستطيع أن ترى الشمس وهي مخلوقة فكيف يستطيع البشر أن يرى الله؟ بل إن البشر لا يستطيعوا أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها.
ولهذا لما اقترح المشركون أن يكون الرسول من الملائكة أخبر الله أن هذا لا يكون، وقال ﷾: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ يعني: لماتوا ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ فيمكن مقارنته والأخذ عنه، فإذا كان الناس البشر لا يستطيعون أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها، فكيف يستطيعون أن يروا الله؟ والنبى ﷺ ثبته الله حينما رأى جبريل في أول بعثه على الصورة التي خلق عليها، ثبته الله، وجاء يرجف فؤاده إلى زوجه وقال: خشيت على نفسي فإذا البشر لا يستطيعون أن يروا الملك، وهو مخلوق، فكيف يستطيعون أن يروا الله، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يرى الشمس وهي مخلوقة ويحدق بها من شدة شعاعها فكيف يستطيع أن يرى الله؟، لا يستطيع الناس أن يروا الله في الدنيا، ولا يستطيع أحد من الرسل ولا غيرهم ولا نبينا محمد ﷺ هذا هو الصواب؛ ولأن الأدلة صريحة؛ ولأنه لا يوجد شيء من الأحاديث المعروفة أن النبي ﷺ رأى ربه بعيني رأسه.
ليس هناك شيء من النصوص يدل على أن النبي ﷺ رأى ربه بعينه ليلة المعراج ولم يقله أحد من الصحابة بل إن الأحاديث تدل على نفي الرؤية، وأن النبي ﷺ رأى ربه، وهو قول الله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا﴾ فالمراد به الآيات ليس المراد رؤية الله ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا﴾ وذلك أن النبي ﷺ لما أسري به وعرج به ورأى الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبار لهم، حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون.
فإذًا المراد بالرؤية ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا﴾ الآيات فلما أراه الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبارا لهم حيث صدقه قوم وكذبه آخرون، ولهذا قال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ أي اختبارا وامتحانا حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون.

1 / 127