ذم شيخ الإسلام لقائل هذه المقالة
[وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنىً صحيحًا]
هذه الجملة الصواب فيها أنها زيادة من أحد النساخ في كلام شيخ الإسلام، وموجب هذه الإضافة أن المصنف قال: كما يقوله بعض الأغبياء.
وقد تقدم سبب هذا الوصف، لكن لكون هذه العبارة أو ما هو في معناها يطلقها كثير من فضلاء الفقهاء، وفضلاء أصحاب الحديث المتأخرين، وطائفة من المتكلمة الذين يعنون بامتداح مذهب السلف أحيانًا كـ أبي حامد الغزالي؛ فإنه كثيرًا ما يمتدح مذهب السلف في كتبه، وإن كان يخرج عنه كثيرًا، سواء في مسائل الصفات أو في مسائل الأحوال والإرادات والتصوف.
فلما كان لهؤلاء مقام في العلم وفي الفقه معروف، أضاف بعض النساخ هذا الحرف فقال: وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنىً صحيحًا.
فهم كتبوها كاعتذار، والحق أنها ليست لـ شيخ الإسلام، وهي ليست في محلها، فإن معنى هذا الاعتذار أن شيخ الإسلام إنما ذم قائل هذه المقالة إذا لم يكن من العلماء، وهذا لا يلتزمه المصنف، فهو يقول: وقد صارت مقالة أبي الحسن الأشعري وأمثاله مزلة أقدام لكثير من فضلاء أهل العلم.
وثناؤه ﵀ على كثير ممن وقعوا في هذه الأغلاط معروف، حتى إنه أثنى على أبي محمد بن حزم ثناءً شديدًا في كثير من كتبه مع أنه في شرح الأصبهانية قال: وأبو محمد بن حزم وأمثاله قد قالوا مقالات في مسائل الصفات مقالاتُ كثير من المعتزلة خير منها، ومقالته في كثير من الموارد تقارب مقالة المتفلسفة.
إذًا: كون هذا القائل من العلماء هذا لا يعني شيئًا كثيرًا؛ لأن المصنف -أعني: شيخ الإسلام - لا يصف من قال هذه المقالة بأنه خارج عن صفة العلماء، فقد يكون عالمًا فقيهًا أصوليًا له اشتغال بعلم الحديث ..
إلخ، لكن يبقى أن قوله غلط.
ومن المعلوم أن كثيرًا من فقهاء الشافعية، وفقهاء المالكية، وفقهاء الحنفية، بل وطائفة من الحنابلة وقعوا في مثل هذه الأغلاط والمقالات مع أن مقامهم في العلم مجمع عليه، ولا أحد من أهل العلم والمحققين ينازع في أن لهم مقامًا معروفًا في العلم، لكن يبقى أن قولهم غلط وافتيات على مذهب السلف.
فلهذا هذه العبارة ليست بشيء، وواضح من نظمها وتركيبها أنه ليس عليها طابع شيخ الإسلام ﵀، خاصةً أن شيخ الإسلام ذكر هذا المعنى في كتبه كثيرًا ولم يعتذر هذا الاعتذار.
3 / 10