شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار
شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار
জনগুলি
الصلاة على النبي وفضلها
قال المصنف ﵀: [أبدأ بالحمد مصليًا على] فالصلاة على النبي ﷺ لا بد أن تثني به، ولذلك لما مر النبي ﷺ على رجل يدعو فحمد الله وما صلى على النبي ﷺ، قال النبي ﷺ: (عجل هذا) أي لا يمكن أن يجاب.
ولما جاءه الآخر يقول: (يا رسول الله! أجعل لك ثلث صلاتي؟ قال: خير.
قال: أجعل لك شطر صلاتي؟ قال: خير.
قال: أجعل لك صلاتي كلها -يعني: دعائي كله صلاة على النبي ﷺ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك)؛ لأنك ابتدأت بالأدب مع الله بالثناء، ثم بعد ذلك بالصلاة على النبي ﷺ.
والصلاة على النبي ﷺ لها ست صيغ، وأقل هذه الصيغ أن تقول: ﷺ، فتكون قد أديت الصلاة كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦].
وأفضل الصيغ أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
واختلف العلماء في الصلاة على النبي ﷺ هل هي واجبة أم مستحبة؟ والصحيح الراجح في ذلك أنها واجبة؛ لأنها أمر من الله وأمر من النبي ﷺ استصحبه عقاب إذا لم يفعله العبد.
أما أمر الله فقد قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا»، لفظ أمر، والقاعدة عند الأصوليين تقول: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، إذًا: فهو يدل على الوجوب، ولم نعلم ما هي القرينة التي صرفته من الوجوب إلى الاستحباب.
الدليل الآخر: ما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ صعد وارتقى على المنبر فقال: (آمين! آمين! آمين! فلما سئل عن ذلك، قال: أتاني جبريل فقال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل عليك).
ولذلك فأشد الناس قربًا من النبي ﷺ هم المحدثون، لأنهم من أكثر الناس صلاة على النبي ﷺ.
وقال أيضًا: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي)، ﷺ.
واختلف العلماء في معنى الصلاة على النبي ﷺ على قولين بين جمهور أهل العلم وبين المحققين، أما الجمهور فيرون أن الصلاة على النبي ﷺ معناها الرحمة من الله جل في علاه، فهم يقولون: الصلاة من العبد طلب المغفرة، وكذلك الملائكة، والصلاة من الله الرحمة على العبد الذي صلي عليه.
والمحققون يرون أن معنى الصلاة على النبي ﷺ الثناء الحسن في الملأ الأعلى، وهذا الراجح الصحيح، كما رواه البخاري عن أبي العالية.
فإذا قلت: صلى الله على محمد كأنك تقول: اللهم اثن على محمد في الملأ الأعلى ثناءً حسنًا، والدليل على ذلك التفريق في القرآن بين الصلاة وبين الرحمة، قال الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة:١٥٧]، والأصل في العطف المغايرة، فالرحمة تغاير معنى الصلاة إلا إذا دلت قرينة على أنهما شيء واحد.
وقيل: جاءت للتأكيد، والصحيح الراجح المغايرة، فالصلاة هي الثناء الحسن من الله في الملأ الأعلى، والرحمة غير الصلاة.
قال الناظم: [أبدأ بالحمد مصليًا على محمد خير نبي أرسلا] فذكر أن محمدًا خير نبي أرسل، وهذه دلالتها من الكتاب والسنة، فرسول الله ﷺ سيد ولد آدم ولا فخر، قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح:٢٩]، وبين صفته العظيمة أنه خاتم النبيين: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:٤٠]، وقال الله تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:٧٢]، فما أقسم الله بحياة أحد من خلقه إلا بحياة النبي ﷺ قال العلماء: دل هذا الأمر على أن أفضل سنين في الدنيا بأسرها هي السنين التي عاشها الرسول ﷺ؛ لأنه أفضل خلق الله جل في علاه.
كذلك يدل على فضله الآية التي أخذ الله فيها الميثاق على النبيين أن يتبعوه، ولذا يقول النبي ﷺ: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني).
وأيضًا قال النبي ﷺ: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر).
وكذلك حديث الشفاعة الذي في الصحيحين أراد الله فيه إعظام رسول الله ﷺ وإظهار كرامته ومكانته، حيث يأتي البشر أجمعون إلى رسول الله فيقول: (أنا لها! أنا لها!) فظهرت له السيادة بذلك.
كذلك النبي ﷺ أم بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج، وهذا من الدلالة على السيادة، لكن كيف نرد على هذا الإشكال العظيم عندما قال ﷺ: (لا تفضلوني على يونس بن متى)، وهو سيد البشر أجمعين؟ قال النووي: ممكن أن يكون النبي ﷺ قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه سيد البشر أجمعين.
وهذه الإجابة وإن كانت جيدة لكنها غير مرضية؛ لأنه قال: (لا تفضلوني)، والصحيح أن التفضيل المنفي هنا إذا كان على سبيل التنقيص، يعني: لا تفضلوني وتنتقصوا من قدر يونس بن متى، وهذه الإجابة هي المرضية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
2 / 9