Explanation of Al-Aqeedah At-Tahawiyyah - Ibn Jibrin
شرح العقيدة الطحاوية - ابن جبرين
জনগুলি
تضمن كل سور القرآن لنوعي التوحيد
قال ﵀: [وغالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم، فـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:٢] توحيد ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:٣] توحيد ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة:٤] توحيد ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] توحيد ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:٦] توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧] الذين فارقوا التوحيد] .
يقول: إن جميع القرآن يدور حول التوحيد، فالإخبار عن الله تعالى في قوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ [الحشر:٢٢] ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الحشر:٢٤] يعتبر توحيدًا، لكنه توحيد الذات أو الربوبية.
كذلك نقول في الأوامر، فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:٢١]، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [النساء:١] هذا توحيد، وهو توحيد عبادة؛ لأنه أمر بعبادة الله.
كذلك ما في القرآن من الأحكام، كالعبادات والصلوات والقربات هذه مكملات التوحيد وثمرات التوحيد، فإن العبد إذا علم أن الله هو الواحد عبده، فأمثلة العبادة هي الصلوات والصدقات والقربات، كذلك ما في القرآن من محظورات، ومن النهي عن المحرمات، والنهي عن الفواحش والمنكرات، فهذه اجتنابها يكمل التوحيد وفعلها ينقص ثواب التوحيد، فإن المعاصي تنقص ثواب التوحيد، فينهى عنها حتى يكمل التوحيد.
كما أن في القرآن قصصًا -كقصة نوح وقومه، وهود وقومه، وشعيب وقومه- يظهر فيها نجاة قوم لأجل التوحيد، وهلاك آخرين لأجل مخالفة التوحيد.
وفي القرآن ذكر الجنة وثوابها والدعوة إليها، والجنة هي ثواب أهل التوحيد، وفيه ذكر النار والعذاب والنكال والغضب وما أشبه ذلك عقوبة لأهل الشرك المبتعدين عن التوحيد.
والأمثلة التي ضربت في القرآن كلها لأجل تقرير التوحيد، مثل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ [الحج:٧٣] يعني: لا تدعوا إلا إلهًا واحدًا، فإن هذه المخلوقات التي تعبدونها لا تخلق ذبابًا؛ لأنها هي في نفسها مخلوقة، وإلى جانب ذلك فهي أيضًا ضعيفة.
فهذا في تقرير التوحيد.
ومثل قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾ [الزمر:٢٩] فيه تقرير التوحيد، فإن السلم هو الخالص، يقول: الذي يعبد الله تعالى هو مثل من يملك عبدًا واحدًا، والذي يعبد هذا وهذا وهذا لا شك أنه مثل العبد الذي بين شركاء، كل منهم ينتزعه لنفسه، وكل منهم يقول: أريده في خدمتي، وهم مع ذلك متشاكسون بينهم شيء من البغضاء وشيء من الاختلاف والجدال والاضطراب، ولا شك أن كل هذه الأمثلة تقرير للتوحيد.
فإذًا إن كانت الآيات قصصًا فهي في تقرير التوحيد، وإن كانت وعدًا ووعيدًا فهي في العقاب الذي يترتب على ترك التوحيد والثواب الذي يترتب على فعل التوحيد، وإن كانت أحكامًا وأوامر ونواهي وواجبات ومحرمات فهي من مكملات التوحيد أفعالًا أو صروفًا، وإن كانت أوامر بالعبادة ونحوها فهي أمثلة أنواع التوحيد، فأصبح القرآن دائرًا على التوحيد، وذلك دليلٌ على أهميته.
ولأجل ذلك صار التوحيد شرطًا في قبول العبادات، فلا تقبل الصلاة إلا بشرط الإسلام، ولا تقبل الطهارة إلا بشرط الإسلام وهو التوحيد أصلًا، وكذا لا تقبل الصدقات ولا القربات ولا الصيام ولا الحج وما أشبه ذلك إلا إذا تقدمها شرط واحد وهو التوحيد.
والفاتحة -التي هي أكثر سورة نكررها في صلاتنا كل يوم- تفسيرها يدور حول التوحيد في أولها ووسطها وآخرها، وكذا بقية السور.
4 / 8