9
كان مشروع الحداثة الغربي مشروعا طموحا، ينادي بحقوق إنسان عالمية، وقيم العقل ... العقل أعدل الأشياء قسمة بين الجميع، قيمه ثابتة لا تتغير، كلية شمولية، صارمة تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان. وعلى الرغم من ذلك، فقد جاء القرن العشرون ليقلب كل قيم عصر التنوير رأسا على عقب. وعبر الحربين العالميتين، وخطر الفناء النووي والمد الاستعماري الغربي، حكم على مشروع التنوير أن يتحول إلى عكس ما يعلنه، وأن يحيل مطلب التحرر الإنساني إلى نظام اضطهاد عالمي باسم تحرير البشر. تلك كانت الأطروحة الهامة التي تقدم بها هوركهايمر
M. Horkheimer
وأدورنو
T. Adorno
في عملهما «ديالكتيك التنوير»
Dialektik der Aufklärung
الصادر عام 1947م. لقد حاولا البرهنة، وفي الذهن تجربة ألمانيا هتلر، وروسيا ستالين؛ على أن المنطق الذي يقبع خلف عقلانية التنوير هو منطق هيمنة واضطهاد. والتلهف إلى السيطرة على الطبيعة جلب معه السيطرة على البشر، ولم يكن يمكن أن يوصل ذلك في النهاية «إلا إلى كابوس قهر للذات».
10
والسؤال الآن هو: هل كان مشروع التنوير، أم لم يكن، محكوما منذ البدء بالإفضاء إلى مثل هذا العالم الكافكاوي؟ وهل كان، أم لم يكن، سيقود عاجلا أم آجلا، إلى هذا الخراب وتلك الحروب التي لحقت بالبشرية؟ وهل تبقى فيه ما يمكن استلهامه والبناء عليه؟
অজানা পৃষ্ঠা