73
عمارة ما بعد الحداثة: مبنى
Dancing House
جمهورية التشيك.
في نهاية ثمانينيات القرن العشرين تكرس مصطلح العمارة التفكيكية، كتعبير رمزي ونظري في آن واحد عن وصف مجمل تجارب تصميمية ترسخت في الممارسة المعمارية العالمية وقتذاك. وبحسب دريدا لا تعد العمارة التفكيكية نمطا معماريا، بل هي طريقة لجعل كل عنصر من عناصر التصميم المعماري أشبه بالمجاز بصرف النظر عن الوظيفة التي يؤديها. وبمعنى آخر تركز العمارة التفكيكية على الصور والعلامات، وتسقط من حساباتها تماما أغراض الوظيفة والمنفعة. ويضيف دريدا بأن التفكيكية ليست بالضرورة تقويض المباني المبنية، وإنما خلق تضارب بين ما بات أمرا عاديا ومألوفا لدى المرء في إدراك اللغة والمعنى، وبين من يراه أو يشاهده.
74
إن العمارة التفكيكية هي نوع من التحدي المعماري، تحد يمكن صياغته في الأسئلة الآتية: هل بمقدور العمارة أن تتخلى عن هيمنة أقانيم علم الجمال الكلاسيكي؟ هل بإمكانها أن تتنصل عن النفعية؟ عن الوظيفية؟ هل ثمة مفاهيم راسخة تحدد النظام أو اللانظام؟ هل بالإمكان تشييد مبنى بالتخلي عن تلك المبادئ الأساسية المتعارف عليها والمألوفة لخلق عمارة (التوازن، الخطوط الأفقية والعمودية، التدرج ... إلخ)؟ في محاولته للإجابة عن تلك الأسئلة يرى دريدا أنه يتعين أولا التخلص من المفاهيم التقليدية القديمة عن العمارة، ومن ثم ابتكار أشكال جديدة تتحرر من التصورات الجمالية الكلاسيكية. فالنظرية الحداثية المعمارية كانت تعتمد في الأساس على فكرة الوظيفة دون الالتفات إلى الشكل؛ أي أن يحقق البناء وظيفته على النحو الأتم بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى تتعلق بشكل البناء ومكامن الجمال فيه. إن الحداثة هي العقل والعلم والمنطق، من هنا نستطيع أن نتفهم لماذا لجأت العمارة الحداثية في تصاميمها إلى الأشكال الهندسية الصارمة التي خلعت عليها شكلا نمطيا واحدا، دون أدنى التفات إلى متطلبات الشكل والجمال.
وعلى الرغم من أن أوجه التشابه بين العمارة التفكيكية والنمط المعماري ما بعد الحداثي كثيرة (التقطيع - التصاميم غير الخطية - الاعتماد على الهندسة اللاإقليدية - إبراز التناقضات ...) إلا أن بعض المنظرين قد رأوا أن ثمة اختلافات جزئية بين الاثنين؛ فعمارة ما بعد الحداثة لا ترى غضاضة في استدعاء الماضي وإدخال بعض التعديلات عليه أو مزجه مع أنمطة معمارية أخرى. في حين أن العمارة التفكيكية تسعى إلى تحقيق القطيعة التامة مع التاريخ والتقاليد الراسخة في المعمار، بالإضافة إلى أن العمارة التفكيكية لم ترتبط بالنزعة «الشعبوية» الواضحة التي يسعى مصممو ما بعد الحداثة دوما لإبرازها في شكل المباني.
إحدى خصائص المعمار التفكيكي، وفقا لدريدا، أن يأتي متجنبا الوصول بالمكان إلى حالة التشبع. فيجب أن يبقى المعمار مفتوحا أمام فرصة تحول آت «بمعنى التخلي عن العلو المطلق؛ أي أن تلامس المدينة السماء، والعمل وفق ما قد يسميه المناطقةبداهة النقص
Axiome d’incomplétude . فالمدينة كل يجب أن يبقى غير متشبع بنيويا، وأن يبقى منفتحا على إمكانية التحول، وعلى الإضافات البسيطة التي تغير أو تحدث إزاحة في ذاكرة تراث المدينة. يجب أن تبقى المدينة منفتحة لحقيقة أنها لا تعرف بعد ما سوف تكون عليه، ومن الضروري ترسيخ عدم اليقين هذا في العناصر المعمارية وفي علم تخطيط المدن، كما لو كان رمزا. وإلا فما هذا الذي سيقوم به المرء سوى تنفيذ بعض المخططات وإتمامها وإشباع المدينة وخنقها؟»
অজানা পৃষ্ঠা