396

দুরর মনজুম

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

ومما يقضي منه العجب، ويليق أن يصيح الدين منه بالحرب، ويقال فيه يا لضيعة الهدى والأدب، أنه لم يبلغ من تلك الناحية عن أحد من أهل العلم والأدب، إنكار لتلك البدعة الحادثة ولا إدكار، ولا إحضار لها بباله ولا إخطار، ولا صرف نظر إليها من الأنظار، ولا نقل أنه اجتمع في شأنها اثنان، ولا أظهر واحد منهم تشنيعها ولا أبان، وأن هذا مما يقضي بمصير الدين غريبا، وقيام الساعة من زمانه قريبا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإلى الالتجاء إليه والتوكل عليه فازعون، ولما أمرنا به في هذا المعنى وغيره مطيعون وسامعون، ولم نزل بعد بلوغ تلك البدع، وظهور ما يستقبح منها ويستشنع، نتردد هل المباحثة فيها أوعدمها أولى بنا وأحرى؟ ونقدم في مجال ذلك رجلا ونؤخر أخرى، فتارة تحملنا الحمية على دين الله، والغضب لما لا يرضى الله، على المباحثة والتذكير، وتارة يصدنا عن ذلك ما نظنه من عدم الجدوى والتأثير، إلى أن رجح إلينا أنه قد توجه التذكير علينا، فقد أطلق الله الأمر به ولا دليل على منعه، ووعد سبحانه وتعالى بتأثيره ونفعه، وهذا ما نحسنه ونتمكن منه، ولا يكلف أحد غير وسعه، فأقدمنا مع تقدير أن تمج ما ذكرناه الآذان، ويقابلنا فيه كل ذي شنآن بما يقتضيه التحامل من هجر اللسان، وإن وفق الله بحسن تلقي هذه النصيحة وقبولها، وإنزالها منزلتها في تعظيم معقولها ومنقولها، فالحمد لله وذلك من فضل الله?وما بكم من نعمة فمن الله? [النحل:53]، وقد أفلح من زين الله التذكير في قلبه وهداه، وفي قول الفاروق لنوع من هذا الجنس معتبر: لولا علي لهلك عمر، لم يمنعه عن قبول الحق عجب ولا بطر، بل أعجب من ذلك أن رجع إلى قول بعض الغانيات واعترف لها، فقال: كلكم أفقه من عمر حتى المخدرات، وإن قوبلت بالرد، وحمل مصدرها على خلاف القصد، ونظمت وهي خير هدية، بنص خير البرية في سلك الرسائل الدنية، فقد حصل ما أردناه من أداء ما كلفناه، وتقبل إن شاء الله ما أوردناه، من الإبلاغ في النصيحة، وتحرير الألفاظ والمعاني الصحيحة، وإقامة الحجة، وإيضاح المحجة، وعدم الغفلة عما يتوجه، ومن تجاور ممن وقف عليها الحدود، وسلك بها مسلك المستقبح المردود، وقابلها من الهجر والأذى بما لا يكاد يسلم منه سالك هذا المسلك المحمود، فشأننا التأدب بآداب الكتاب فيما تضمن من الخطاب، لمن كان له في موطن الأمر بالمعروف انتصاب، حيث أمر بالصبر على ما أصاب، وقلنا للمتعدين علينا قد وعينا وإن كنتم ما وعيتم، و?لا يضركم من ضل إذا اهتديتم? [المائدة:105]، وعملنا بمقتضى ما قاله أصدق القائلين: ?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين? [الأعراف:199]، وحسبنا الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

পৃষ্ঠা ৪৩০