يقال: بل الدعوى المجردة ما أشار إليه الفقيه -أيده الله- من حصول العلم الضروري، بأن كل واحد من الصحابة يقول بوجوب الإمامة ونصب الإمام، وأنه لا فرق بين هذا وبين غيره من التواتريات كالعلم بأن في الدنيا مكة، كما يقضي به مفهوم كلامه حاطه الله تعالى، وإن لم يصرح بجميعه.
والمعلوم أنك لو سألت مدعي ذلك من العلماء عادت بركاتهم، عن أعيان الصحابة المدعى معرفة حالهم في ذلك، أو أعدادهم، لما وجدتهم على تحقيق في ذلك، ولا إحاطة به، دع عنك من ليس من أهل المعارف، فكيف يعرف مقالة أشخاص أو فعلهم أو عقيدتهم ضرورة، من لا يعرف أعيانهم، ولا أعدادهم، ولا أسماءهم؟
فإن قيل: ليس معرفة ذلك شرطا، بل المقصود أنه قد تواتر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم فعلوا كذا وقالوا كذا.
قلنا: التواتر المفيد للعلم الضروري لا بد أن يستند إلى إدراك، وأن يبلغ نقلته عددا لا يجوز على مثله التواطؤ على الكذب، وأن يتساوى الطرفان والوسائط في العدد المعتبر، فنقول: ما الذي نقل عن جميع الصحابة جملة مما هو مدرك ليتعقل حصول العلم الضروري عنه، ثم نقول: أليس الذين فزعوا عقيب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى نصب من يخلفه، واهتموا بذلك غاية الاهتمام هم المجتمعون في السقيفة؟ والمعلوم أنهم ليسوا كل المعتبرين في الإجماع، فإن صح التواتر عنهم فما الذي نقل عن غيرهم ممن غاب عنهم؟ هل سكوتهم؟ فالمرجع به إلى عدم الإنكار، وهو غير مدرك، فكيف يعلم ضرورة؟ سلمنا فلا نعلم من سكوتهم أنهم على صفة أولئك المجتمعين، علما ضروريا أوغير ذلك، فما هو؟
فإن قيل: كلامك هذا ينطوي على القول بتعذر حصول الإجماعات التواترية القطعية، إذ لا يمكن معرفة أعيان الأمة جميعا، ولا أسماؤهم، ولا أعدادهم، لمن يدعي العلم بإجماعهم، وإن نقل عنهم أنهم أجمعوا جملة، وأنه تواتر ذلك عنهم، فقد شغبت فيه وشككت على من يدعيه.
পৃষ্ঠা ২৮৮