وأما ثانيا: فعلى فرض الذهاب إلى هذا المذهب، أي أمر اقتضى التشنيع فيه وأوجب؟ [ل]أن الخلاف بين العقلاء قد يعرض في العلوم الضرورية الموجودة من النفس التي تدفع العالم إليها، كخلافهم في مخبر الأخبار المتواترة، فمن ذاهب إلى أنه معلوم ضرورة، وأن العلم به يعد من علوم العقل، فمن لم يحصل له فعقله مختل، ومن ذاهب إلى أنه معلوم بطريق النظر والاستدلال معرض لما يرد عليه من التنظير والإشكال.
ومن ذاهب إلى أنه ليس بمعلوم بحال، وأنه إنما يظن ظنا، فتجويز خلافه ممكن لا محال، والخلاف في كثير من المسائل الأصولية الفروعية -قطعية هي أم ظنية- فإنه واسع، فلم نسمع عن أحد من أئمتنا وعلماء مذهبنا رحمهم الله تعالى أنه شنع القول بكون مسألة الإمامة اجتهادية على كثر حكايتهم لذلك في مصنفاتهم، ومع كثرة المخالفين في ذلك من الأئمة وعلمائها، ولا يصدر التشنيع في ذلك إلا من جاهل أو متجاهل أو ذي عداوة متحامل.
وأما ثالثا: فأي منافاة بين القول بكونها اجتهادية، وبين إقدام الإمام على التصرفات المرضية، ليس ذلك مما ينافيه في حكم من أحكام أحكامها، ولا يخالف نهج علم من أعلامها، ولا يتغير به شيء من أحوالها، ولا يتوقف على خلافه عمل من أعمالها، فإن الأعمال في المسائل الاجتهادية كما هي في المسائل القطعية، إذ ما أدى المجتهد إليه اجتهاده صار العمل به معلوما وجوبه مقطوعا به، وكثير من المسائل الاجتهادية يتوقف عليها قتل النفوس، وقطع شيء من الأعضاء، وأخذ الأموال، ونحو ذلك.
فليكشف أهل التشنيع عن موجبه، وما الذي ينهدم بكونها اجتهادية من الأعمال من الإمام ويختل به؟!!
قال: وما حكم العوام الذين لا يهتدون إلى معرفة الشرائط؟ وهل هم ناجون بالتقليد مع الخطر الذي ما عليه مزيد في الإقدام على الأرواح والأموال مع الإمام من غير تحقيق منهم للحال؟ وما حكمهم في قتالهم معهم من يذهب إلى منع الزكاة من أهل القبلة المعدودين من فرق الملة؟
পৃষ্ঠা ২০৭