فائدة: ومما يغلط فيه على الإمام استنكار كثير من
المميزين لما يصرفه الإمام إلى المؤلفين، واستنكاره واستهجانه لأجله، واعتقاد التفريط فيه، وقد يقول قائلهم: كانت عطية فلان الظالم أو الفاجر -يعني جماعة من الفقراء الفضلاء الأخيار، الذي لا يساوي شسع نعل أحدهم- وهذا من الجهل بعظم موضع المصلحة الحاصلة من التأليف في الدين، وكونها أعظم موقعا من المصلحة الحاصلة لمواساة الفقراء والمساكين، فإن مواساتهم والمصلحة فيهم مقصورة عليهم لا تتعداهم، وأما المؤلف ففي إعطائه مصالح يتم نفعها ويعظم موقعها، فقد تكون المصلحة فيه قوة شوكة الحق، أو حفظ بيضة الإسلام، أو سد ثغر، أو دفع شر كان على المسلمين [في] جانب الدين، أو توصل إلى إقامة معروف ونهي منكر، وغير ذلك من أنواع المصالح الدينية والمقاصد المرضية، وإنما يتوجه ما ذكروه لو أنه أعطاه لما يرجع إليه، ولكونه على الحال الذي هو عليه، ولو رام الإمام أن يجري أمره على قاعدة وأن تتم منه قيام الفائدة ويده مقبوضة عن المؤلفين ومواساته مقصورة على الفقراء والمساكين لرام شططا، ولتقاصرت عنه فسيحات الخطا، فإن أمر الإمام لا يستقيم إلا بالتأليف على أنواعه، ولا يتم ولا ينتظم أبدا إلا مع كثرته واتساعه.
পৃষ্ঠা ২০৩