ويلحق بهذا الباب ذكر مسألة جليلة القدر عظيمة الخطر، وهي أن من حقوق الإمام المفروضة على المسلمين تسليم الزكوات إليه وتبليغها حتى تصير بيده قليلها وكثيرها وصغيرها وكبيرها، وظاهرها وباطنها، ومن صرفها إلى غيره بغير أمره أعاد، وإن اتهمه بالغل استحلفه بالمواثيق الشداد، والقول بأن الولاية في ذلك إليه هو مذهب الأئمة الأعلام والمحققين من علماء الإسلام والحجة على ذلك قوله تعالى: ?خذ من أموالهم صدقة? [التوبة:103]، وما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ادفعوا صدقاتكم إلى من أولاه الله تعالى أمركم» (1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «أمرت أن آخذها من أغنيائكم وأردها في فقرائكم» (2)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: «اعلم أن في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم» (3)، والإمام خليفة الرسول، والقائم مقامه فيما يتعلق بأحكام الشرع إلا ما خصه الدليل، وقد قال أبو بكر في أمر بني حنيفة: لو منعوني عقالا -أو قال: عناقا- مما أعطوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاربتهم، ولم ينكره أحد من الصحابة رضي الله عنهم، بل استقر رأيهم كلهم على ذلك، وعلى ذلك جرى عمل الخلفاء الأرشدين، والأئمة الهادين، خلفا عن سلف، ما تباين رأيهم في ذلك ولا اختلف، والمعلوم من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه وأئمة الأمة، استعمال العمال على الزكوات، وبعث السعاة في جميع الجهات، لقبض ظاهرها وباطنها، وخافيها في أداني الأرض وقاصيها، وجهاد من عصاهم في تسليمها، والتصريح بتشنيع جريمته وتعظيمها، وقد خالف الفريقان الشافعي وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه، في الزكوات الباطنة، زكاة النقدين وما في حكمهما، وأموال التجارة، والمعنى ما كانت زكاته ربع العشر فقالوا: إن ولاية ما هذه حاله إلى أربابها، وليس لولاية الإمام تعلق به، ونسب هذا إلى جماعه من متقدمي أهل البيت " وحجة أهل هذا المذهب قوله تعالى: ?إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ? [البقرة:271].
قال الفقيه يوسف ابن عثمان(1) رحمه الله تعالى وأعاد من بركاته في (الثمرات): ويحتمل أن المراد صدقة النقد أو مع عدم الإمام، انتهى.
ولا كلام أن دلالة هذه الآية غير صريحة ولا واضحة، فإنها مرجوحة غير راجحة، لما تقدم من أدلة المذهب المختار، وقال الشافعي في أحد قوليه وهو الجديد: وكذلك زكاة الأموال الظاهرة كالمواشي وما أخرجت الأرض، ولا حجة له في هذا إلا القياس على الباطنة، وإذا اختل الأصل لم يصح ما يبنى عليه، فهذا ما سنح ذكره في هذا الفصل، واقتضى المقام ذكره، والمسألة مبسوطة في مواضعها من الكتب الفروعية.
تنبيه: وفي حكم الزكوات في ثبوت ولاية الإمام عليها،
واستنادها إليه: الفطرة، والخمس، والجزية، والخراج، كالصلح وما جرى هذا المجرى، وبالجملة فجميع الحقوق إلا ما كان وجوبه سبب من المكلف كالكفارات والمظالم المجهولة، ما هو بسبب منه فالجمهور أن ولايته إلى من وجب عليه، ولا يخلو عن خلاف تحقيقه في موضعه، والله تعالى أعلم.
পৃষ্ঠা ১৮৬