118

Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim

دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم

জনগুলি

اشتغال السلف بعيوب أنفسهم عن الآخرين
لا شك أن الإنسان إذا انزجر عن الكلام في عيوب الناس، فإنه في خير، ونحن لا نقول: إن الناس لا يوجد فيها عيوب، لكن يجب عليك أن تنشغل بعيوب نفسك، والإنسان إذا ركز في الاشتغال بعيوب نفسه سوف يكون مشغولًا عن عيوب الناس، ولن ينظر في عيوب الناس بهذه الصورة إذا ركز في عيوب نفسه، فالإنسان دائمًا يجب عليه أن يركز وأن ينتقد نفسه، وعليه أن يصلح ويجاهد نفسه؛ ولا ينشغل بعيوب الناس إلا من قد لهى عن عيوب نفسه.
يقول النبي ﷺ: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه) وفي بعض الروايات: (وينسى الجذل) أي: جذل الشجرة، والقذاة هي ما يقع في الماء من تراب أو تبن أو أي شيء من القاذورات التي تأتي على الماء، والجذع هو: واحد جذوع النخل، وقوله: (وينسى الجذع في عينه)؛ أي: لأنه لنقص نفسه وحبه لها يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه؛ فيدركه مع خفائه، فيعمى عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به.
يقول الشاعر: عجبت لمن يبكي على موت غيره دموعًا ولا يبكي على موته دما وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيمًا وفي عينيه عن عيبه عمى لقي زاهد زاهدًا فقال له: يا أخي! إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمت منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.
فانظر كيف كان الصحابة والسلف يصدقون قول الرسول ﵇: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وكثيرًا من الكلام الذي نخوضه لا يعنينا ولا يخصنا في شيء.
لما توفي منصور بن زاذان رحمه الله تعالى وكان من العابدين المجتهدين حتى قالوا: لو أن منصور بن زاذان هذا قيل له: إن ملك الموت على الباب أو أنك تموت غدًا لما استطاع أن يزيد في عمله؛ لأنه قد أتى بأقصى ما يستطيع في كل الأحوال، ولم يملك على أن يزيد شيئًا في عمله الصالح، فلما توفي قالت ابنة واحد من جيرانه من العلماء لأبيها: يا أبت! الخشبة التي كانت على سطح البيت الذي بجوارنا ما نراها! أي: أنها تعودت أن ترى بالليل بالذات دائمًا خشبة موجودة على سطح بيت منصور، فقال لها: يا ابنتي إن هذا منصور كان يقوم الليل يصلي ويقرأ القرآن، وقد مات ﵀.
أي: أنه كان من بعيد يبدو كالخشبة، فالبنت لما فقدت رؤيته قالت: أين ذهبت الخشبة؟ فقال لها أبوها: هذا منصور كان يقوم الليل وقد مات رحمه الله تعالى.
الشاهد: أنهم كانوا جيرانًا، ومع هذا فانظر كيف أن هذا العالم ربى نفسه وربى أهله وربى ابنته على أنه لا يتكلم على الناس، وما انشغلوا بالجيران ولا تكلموا حتى ولو بكلام على أن منصورًا يقوم طول الليل، وما عرفت البنت أنه كان منصورًا؛ لأنها قالت: أين الخشبة التي كانت على السطح.
فالسلف كان كل واحد يركز على نفسه، وينشغل بعيوب نفسه، ولا ينشغل بغيره.
قال الشاعر: المرء إن كان عاقلًا ورعًا أشغله عن عيوب غيره ورعه كما العليل السقيم أشغله عن وجع الناس كلهم وجعه وعن بكر قال: تساب رجلان فسب أحدهما الآخر، فقال أحدهما: حلمني عنك ما أعرف من نفسي.
أي: أنا أستطيع أن أرد عليك، لكن الذي يجعلني أحلم وأصبر عليك هو ما أعلم من نفسي من العيوب.
وقيل للربيع بن خثيم رحمه الله تعالى: ما نراك تغتاب أحدًا؟ فقال: لست عن حالي راضيًا حتى أتفرغ لذم الناس، ثم أنشد: لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي من نفسي عن الناس شاغل وعن أبي راشد قال: جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد الله بن عمر فقال: إني رسول إخوانك من أهل البصرة إليك، فإنهم يقرئونك السلام، ويسألونك عن أمر هذين الرجلين: علي وعثمان، وما قولك فيهما؟ فقال: هل غير، أي: هل عندك حاجة أخرى؟ قال: لا، قال: جهزوا الرجل، يعني: أن الجواب سيأخذه بسرعة، فأحضروا له متاعه من أجل أنه سيعود، فلما فرغ من جهازه قال: اقرأ ﵈، وأخبرهم أن قولي فيهما: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:١٣٤].
وقال الشافعي: قيل لـ عمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين، فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب بها لساني.
يقول الشاعر في هذا المعنى: لعمرك إن في ذنبي لشغلًا عن ذنوب بني أمية على ربي حسابهم إليه تناهى علم ذلك لا إلي وليس بضائري ما قد جنوه إذا ما الله أصلح ما لدي فربنا سيحاسبك على ذنوبك أنت، لا على ذنوب بني أمية؛ فلا تنشغل بذم الناس.

6 / 21