فتساءل بحاجبيه: «حقا؟» ولم ينبس، والتمعت عيناه بنظرة ارتياب حائرة، فأنهى الآخر الحديث.
وفي وزارة العدل اهتدى إلى مقر أول المدرسة الأستاذ إبراهيم الأورفلي المستشار بالجنايات. رصده أمام بناء المحكمة حتى خرج متبوعا بالحاجب الذي راح ينادي التاكسي، فأقبل نحوه مبتسما. رمقه المستشار بنظرة داهشة، ثم ما لبث أن تعرف عليه، فمد إليه يده مصافحا. ولما أدرك مقصده بصفة أولية دعاه إلى الغداء معه، فحملهما التاكسي إلى مسكنه بشارع ماهر. دخلا مسكنا محترما لكنه عادي في جملته مما أدهش حسين منصور، ولكن عندما تحلق السفرة معهما ثمانية من الأبناء متقاربي السن زايلته الدهشة. - نشاطك الصحفي يلفت الأنظار حقا!
فشكره وهو يسترق النظر إلى جسده النحيل وعينيه اللامعتين المتعبتين. كم تمتع في المدرسة بصيت التفوق الساحر! اليوم لا يعلم باسمه أحد خارج دائرة القضاء. ولما ألمح على مهمته بشيء من التفصيل قال الأورفلي بسرعة: لا شأن لعملي بالصحافة! عندما كنت رئيس نيابة، وفي أثناء التحقيق في قضية مشهورة، حاولت الصحافة دفعي إلى الأضواء، ولكنني أبيت عليها ذلك، الشهرة لا تعني شيئا للقاضي، والمتهمون إما أبرياء يجب صيانتهم أو مذنبون تعساء لا يجوز التشهير بهم!
فقال حسين بثقة: لا تخش النشر، إني أقوم بدراسة عن المدرسة والحياة، وإذا شئت رمزت إلى اسمك بحرف، وقد أستغني حتى عن هذا! - وهو الأفضل، ولكن ماذا تريد على وجه التحديد؟
فحدجه بنظرة إغراء صحفية، وهما يحسوان القهوة في الصالون منفردين، ولم يبق من الأولاد إلا طنين يقتحم باب الحجرة المغلق من آن لآن. - أريد أن أسجل رأيك في جيلنا وفي هذا الجيل، أهم القضايا التي فصلت فيها، فلسفتك عن عملك والحياة.
ومضى يفصح عن آرائه في تمهل وفي شيء من الحياء! .. كان متحيزا للجيل الماضي كأفراد، وللحاضر كفلسفة. وبدا معجبا بمهنته راضيا عنها رغم ما تقتضيه من جهد متواصل، ثم أخذ يروي عجبا من القضايا التي صادفته. - أنت كنت الأول علينا دائما! - وكنت أول البكالوريا في القطر كله.
ففكر مليا، ثم قال: أرى في وجهك صفاء غريبا رغم كل شيء! - رغم ماذا؟
فقال برقة: إن من يحكم بالإعدام على إنسان ...
فقاطعه بتوكيد: ما دمت مرتاح الضمير؛ فإني لا أعرف للقلق معنى! - الحق أن صفاءك غير عادي!
فضحك عاليا وهو يقول: اعتبرني من الصوفية إذا شئت!
অজানা পৃষ্ঠা