فضحك حنظل ضحكة مجلجلة وشبك راحتيه، وشد عليهما وهو يقول: كأنني في حلم! - الواقع نوع من الحلم، والحلم نوع من الواقع، اطلب ما تشاء، إنه أمر!
فتنفس في ثقة وامتلاء وتساءل: كم من المسجونين من يستحق السجن حقا؟!
فقال المأمور ويده تجري على الصفحة: سيخرج من السجن كل من لا يستحق السجن حقا، ولو فرغت السجون!
فهتف حنظل في نشوة: ليحيا العدل، ليحيا المأمور!
وشهد حوش بيت حنظل بعطفة الشنافيري حفلا فريدا حضره المأمور والعساكر والفقراء وطلقاء السجون. وارتدت سنية فستانا برتقاليا، وتلفعت بشال أخضر فلم يظهر من جسدها البض إلا معصم محلى بأسورة ذهبية، وأسفل ساق مطوقة بخلخال فضي بشراريب من أهلة. وكانت تقدم بنفسها الشراب، شراب التمر هندي والكاركاديه. وثمة فرقة موسيقية عليها مسحة من شارع محمد علي، احتلت ركنا وراحت تحيي القادمين. واستمتع كل شخص بحريته حتى العساكر غنوا ورقصوا تحت بصر المأمور. ثم وقف مقرئ بين مذهبجية، ومضى يتغنى بمديح الرسول مترنما:
لما بدا لاح منار الهدى
فتصاعدت آهات الطرب من صدور الفقراء والمساجين والعساكر، وزغردت سنية زغرودة كأنما تصدر عن ناي. وفي ختام الحفل وقف المأمور وخاطب الجميع قائلا: أول الغيث قطر، ثم ينهمر، طاب ليلكم!
وزغردت سنية مرة أخرى. وأخذ المدعوون في الانصراف عند الفجر، والديكة تسبح الله، والصمت يسبح!
واستلقى حنظل على الأريكة؛ ليرتاح بعد عناء، فجلست سنية عند رأسه وراحت تداعب قصة شعره. كان سعيدا مطمئنا راضيا لا يريد لشيء نهاية. وقال برقة: أنت أصل الخير كله.
فامتدت أصابعها إلى سوالفه، كأنما تزقق عصفورة الوشم، فعاد يقول: جميع ما حصل لا أعتبره معجزة، المعجزة أن قلبك لان بعد ما كان!
অজানা পৃষ্ঠা