فدعا الرجل بائع جمبري، وأمره بالبحث عن الشيخ وإحضاره، ثم التفت إلي قائلا: لم أكن أدري أنك مصاب، آسف جدا!
فقلت بغيظ: لم تدعني أتكلم. - يا خسارة! كان يجلس على هذا الكرسي إلى جانبك، وكان يتغزل طيلة الوقت بعقد من الياسمين حول عنقه أهداه إليه أحد المحبين، ثم عطف عليك، فراح يبلل رأسك بالماء لعلك تفيق!
فسألته وعيناي لا تفارقان الباب الذي ذهب منه بائع الجنبري: هل يقابلك هنا كل ليلة؟ - كان معي الليلة، وليلة أمس، وأول أمس، ولم أكن رأيته منذ شهر!
فقلت وأنا أتنهد: لعله يأتي غدا. - لعله! - أنا على استعداد لأعطيه ما يريد من نقود.
فقال أنس بإشفاق: العجيب أنه لا تغريه المغريات، ولكنه سيشفيك إذا قابلته! - بلا مقابل؟ - بمجرد أن يشعر بأنك تحبه!
وعاد بائع الجنبري بالخيبة، وكنت قد استعدت بعض نشاطي، فغادرت الحانة وأنا أترنح. وعند كل منعطف ناديت «يا زعبلاوي» لعل وعسى، ولكن لم يفدني النداء، ولفت إلي غلمان السبيل فتطلعوا نحوي بأعين هازئة، حتى لذت بأول عربة صادفتني.
وساهرت أنس الدمنهوري الليلة التالية حتى الفجر، ولكن الشيخ لم يحضر. وأخبرني ونس بأنه سيسافر إلى البلد، وبأنه لن يعود إلى القاهرة حتى يبيع القطن. وقلت علي أن أنتظر، وأن أروض نفسي على الصبر، وحسبي أني تأكدت من وجود زعبلاوي، بل ومن عطفه علي مما يبشر باستعداده لمداواتي إذا تم اللقاء. ولكنني كنت أضيق أحيانا بطول الانتظار فيساورني اليأس، وأحاول إقناع نفسي بصرف النظر نهائيا عن التفكير فيه. كم من متعبين في هذه الحياة لا يعرفونه، أو يعتبرونه خرافة من الخرافات، فلم أعذب النفس به على هذا النحو؟
ولكن ما إن تلح علي الآلام حتى أعود إلى التفكير فيه، وأنا أتساءل متى أفوز باللقاء؟ ولم يثنني عن موقفي انقطاع أخبار ونس عني، وما قيل عن سفره إلى الخارج للإقامة، فالحق أنني اقتنعت تماما بأن علي أن أجد زعبلاوي!
نعم، علي أن أجد زعبلاوي!
الجبار
অজানা পৃষ্ঠা