ووليه المنصور، وهو رجل الدولة العباسية ومؤسس بنيانها، الذي قضى على أعدائه وأعدائها من أهل بيته، ومن غيرهم؛ فلم يكن له في اللهو مجال. روى الطبري عن يحيى بن سليم قال: «لم ير في دار المنصور لهو قط، ولا شيء يشبه اللهو واللعب والعبث إلا يوما واحدا، فإنا رأينا ابنا له يقال له عبد العزيز (توفي وهو حدث) قد خرج على الناس متنكبا قوسا متعمما بعمامة، مترديا برداء في هيئة غلام أعرابي، راكبا على قعود، بين جوالقين فيهما مقل ونعال، ومساويك، وما يهديه الأعراب، فعجب الناس من ذلك وأنكروه، فعبر الغلام الجسر، وأتى المهدي بالرصافة فأهدى إليه ذلك، فقبل المهدي ما في الجوالقين وملأهما دراهم،. وانصرف الغلام، فعلم أنه ضرب من عبث الملوك.»
7
وترى من هذا أن الناس أنكروا العمل على بساطته ولطافته؛ لأنهم لم يألفوا شيئا من اللهو. وسمع المنصور جلبة في داره فقال: ما هذا؟ قالوا: خادم جلس بين الجواري، وهو يضرب لهن بالطنبور، وهن يضحكن، فقام حتى أشرف عليهم فرآهم فلما بصروا به تفرقوا، فأمر فضرب رأس الخادم بالطنبور حتى تكسر الطنبور، ثم أمر بالخادم فبيع.
8
وكان حازما لا لهو له، يشعر بالتبعة، ويضطلع بها، ولما سمع شعر طريف بن تميم العنبري:
إن قناتي لنبع لا يؤيسها
غمز الثقاف ولا دهن ولا نار
متى أجر خائفا تأمن مسارحه
وإن أخف آمنا تقلق به الدار
إن الأمور إذا أوردتها صدرت
অজানা পৃষ্ঠা