وتفرقنا على مضض ... كلنا يدعو بوا حربي
فلما عدنا إلى واسط بحثنا عن الرجل، فلم نعرف له خبرًا، فعلمنا أنه غريب اجتاز بالبلد.
دير سليمان
دير سليمان بالثغر قرب دلوك مطل على مرج العين، وهو غاية في النزاهة.
أخبرني جعفر بن قدامة قال: ولي إبراهيم بن المدبر بعقب نكبته وزوالها عنه الثغور الخزرية، فكان أكثر مقامه بمنبج، فخرج في بعض أيام ولايته إلى نواحي دلوك رعبان، وخلف بمنبج جارية كان يتحظاها مغنية يقال لها: غادر، فحدثني بعض كتابه أنه كان معه بدلوك وهو على جبل من جبالها فيه دير يعرف بدير سليمان، من أحسن بلاد الله وأنزهها، فنزل فيه، ودعا بطعام خفيف، فأكل وشرب، ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب:
أيا ساقيينا وسط دير سليمان ... أديرا الكؤوس فانهلاني وعلاني
وخصّا بصافيها أبا جعفر أخي ... وذا ثقتي بين الأنام وخلصاني
وميلا بها نحو ابن سلام الذي ... أود وعودا بعد ذلك لنعمان
وعما بها الندمان والصحب إنني ... تنكرت عيشي بعد صحبي وإخواني
ولا تتركا نفسي تمت بسقامها ... لذكرى حبيب قد شجاني وعناني
ترحلت عنه عن صدود وهجرة ... وأقبل نحوي وهو باك فأبكاني
وفارقته والله يجمع شملنا ... بلوعة محزون وغلة حرّان
وليلة عين المرج زار خياله ... فهيج لي شوقًا وجدد أشجاني
فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحًا ... بألمح آماق وأنظر إنسان
لعلي أرى أبيات منبج رؤية ... تسكن من وجدي وتكشف أحزاني
فقصر طرفي واستهل بعبرة ... وفديت من لو كان يدري لفداني
ومثله شوقي إليه مقابلي ... وناجاه قلبي بالضمير وناجاني
دير سمالو
- دير سمالو في رقة الشماسية ببغداد مما يلي البردان.
حدثني أبو بكر محمد بن عمر قال: خرجت يومًا وقد عرض لي ضيق صدر وتقسم فكر إلى الموضع المعروف بالمالكية. فاجتزت بدير سمالو، على نهر الفضل، فجلست في موضع تحت ظل شجرة في فناء الدار أترنم بأبيات، إذ مر بي غلام أمرد كالقمر الطالع فقلت: - يا فتى، وحدك في مثل هذا الموضع؟ فقال: ما بقلبي حملني على ركوب الغزر، فبالله عليك ألا ما عرفتني هل مضى بك قوم من الأتراك ومعهم مغنية على حمار، عليها كساء نارنجي؟ فقلت: نعم، هم في ذلك البستان، ولكن عرفني، تريد الدخول عليهم؟ فارتعد رعدة عظيمة، ولم يزل لونه يتغير حتى سكن قليلًا. ولم أزل أسليه وأشجعه، وعلمت أنه يهوى المغنية، وأنها قد تركته وخالفته، وخرجت مع الأتراك، فلما هدّأ من زفرته وأفاق من غشيته، قال: لقد من الله تعالى علي بك، وإلا فقد كان ما بقلبي يحملني على دخول البستان وحصولي تحت حال قبيحة، ثم قام وسألني مساعدته والمشي معه إلى أن يصل البلد.
وتبين موضع الخطأ فجزع جزعًا شديدًا. فقمت معه وقويت من نفسه، وأخذت به في طريق بين البساتين حتى لا يراه من يمشي على الجادة، فلما قربنا من البلد، أخذ خرقة فكتب على حائط بستان اجتزنا به:
أين تلك العهود يا غدارة ... والكلام الرقيق تحت المنارة
قد علمنا بأنه كان زورًا ... واختلاقًا ونغشة وعيارة
فاجهدي الجهد كله قد سلونا ... عن هواكم ولو بشق المرارة
فقلت له: كأنك في الجامع عرفتها؟ فقال: أي والله، وظننتها الكلبة تفي، فاستحلفتها تحت منارة جامع الرصافة بأيمان لا تحملها الجبال، فحلفت أنها لا تواصل غيري، ولا تريد سواي. فلما عرفت خروجي إلى زيارة المشهد بالطفوف اغتنمت غيبتي ففعلت ما فعلت، فلما قدمت سألت عنها فخبرت خبرها، فخرجت على وجهي حتى لقيتني فرددتني. أحسن الله جزاءك عني، وتولى مكافأتك، وافترقنا بعد أن عرفت منزله وصار لي صديقًا.
دير سمعان
دير سمعان اشتهر هذا الدير بوفاة عمر بن عبد العزيز فيه، ولكن الاختلاف شديد في موقعه، وفي تعيين المكان الذي مرض فيه الخليفة الأموي، فقيل إنه توفي في " خناصرة "، وقيل إنه توفي بخناصرة ودفن في دير سمعان.
- ذكر صاحب العيون والحدائق أنه توفي بخناصر ودفن بدير سمعان من أرض المعرة.
- قال المسعودي: في ذكر عمر بن عبد العزيز:
1 / 15