ذلك لان وسائل التدوين لم تكن بتلك الندرة حتى قبل ظهور الاسلام كما ذكرنا ، ولو تعازلنا عن جميع الشواهد والادلة التي ذكرناها وقلنا ان العرب قبل الاسلام على اختلاف مناطقهم لا يحسنون الكتابة ، لو افترضنا ذلك بالنسبة للعرب قبل الاسلام ، فلا يصح هذا الافتراض بعد ظهور الاسلام وبعد تلك الجهود التي بذلها الرسول الاعظم (ص) لمحاربة الجهل والامية ، فلا بد لنا والحال هذه من تلمس الاسباب التي صرفت المسلمين عن تدوين احاديث الرسول خلال القرن الاول من الهجرة ، ومن خلال المصادر التى تعرضت لهذا الموضوع قديما وحديثا نجد ان اكثرها تعزو ذلك إلى الرسول نفسه ، اعتمادا على المرويات عنه ، والى الخليفة الثاني الذي اشتهر بمعارضة فكرة التدوين ، وتوعد الناس بالعقاب عليها ، فرووا عن الرسول (ص) انه قال : لا تكتبوا عي شيئا ، ومن كنب عني غير القران فليمحه. وقد اخذ الخليفة الثاني بهذا النص حينما راجت فكرة التدوين بين المسلمين كما يدعي بعض المؤلفين وعلله بان التدوين قد يؤدي إلى التباس القرآن بالحديث وانصراف المسلمين عن كتاب الله إلى اقواله واحاديثه كما جرى ذلك بالنسبة الى الامم السابقة.
وفي مقابل الرواية التي تنص على ان الرسول نهاهم عن تدوين اقواله وافعاله رووا عنه انه رخص لعبدالله بن عمرو بن العاص ان يكتب عنه ما يشاء فجمع من احا ديثه الصحيفة المسماة بالصادقة ، وانه قال لرجل من الانصار : استعن على حفظك بيمينك ، وقال لانس بن مالك : قيدوا العلم بالكتابة ، إلى غير ذلك من المرويات ونظرا لتعارض هذه الطائفة من المرويات عنه للروايات المانعة ، رجح اكثر المحدثين بانه نهى عنه اولا مخافة ان يختلط حديثه بالقران الكريم ولما تركز القرآن في نفوسهم واحتل منها المكان اللائق به ، واصبحوا يميزونه عن غيره اباح لهم ان يكتبوا عنه ما يشاؤن ، وتنيجة هذا الجمع بين هاتين الطائفتين من المرويات
পৃষ্ঠা ২০