পশ্চিমা আধুনিক ও সমসাময়িক দর্শনে দার্শনিক গবেষণা (দ্বিতীয় খণ্ড)
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
জনগুলি
وبعد هذه المقدمة عن الحكمة الشعرية يقسمها فيكو إلى فرعين؛ الميتافيزيقا وهي الجذع الذي يخرج منه المنطق والأخلاق والاقتصاد والسياسة والتاريخ، والفيزيقا وهي التي تخرج منها الكونيات والفلك والتواريخ والجغرافيا، وأكبرها المنطق والسياسة والاقتصاد أي الحكمة الإنسانية. وهو يذكرنا بما قاله ديكارت من قبل عن شجرة المعرفة التي جذورها الميتافيزيقا وجذعها الفيزيقا وفروعها الأخلاق والطب.
فالميتافيزيقا الشعرية هي بداية للشعر وللوثنية وللدين بكل ما فيه من عرافة وقرابين. لم تكن ميتافيزيقا عقلية بل خيالية بسبب الجهل بالطبيعة وقوانينها وعللها. والجهل أساس الدهشة. كان الشعر أولا إلهيا، تعبر به الشعوب عن طبائعها الخاصة كما يفعل الأطفال. خلق الشعراء اللاهوتيون الأسطورة الإلهية الأولى، خلقوا فكرة من أنفسهم، وتصوروا الأشياء مملوءة بآلهة، فاللاهوت هو علم لغة الآلهة، اللغة الإنسانية التي استعملها البشر لوصف الأشياء على أنها آلهة إذ إن لكل شعب آلهة. نشأ الله في الشعر بالخيال أولا ثم حولته الميتافيزيقا بعد ذلك إلى عناية إلهية. نشأ الله من عجز القوة الإنسانية، ومن خوف الإنسان من نفسه، كما نشأت العرافة والأضاحي للسيطرة على هذا الخوف، وكانت النتيجة تصديق هذه الاستحالة؛ استحالة أن تكون الأشياء أرواحا، والأجسام عقولا. لم ينشأ الشعر إذن عن نقص في العقل الإنساني بل للتعبير عن الآلهة. ولقد أعطانا الشعر أساطير رفيعة ملائمة للفهم الشعبي والقلق من أجل الوصول إلى غاية، وتعليم العامة السلوك الفاضل تشبها بالشعراء. وأخيرا يحدد فيكو المظاهر الرئيسية لهذا العلم وكأنها بديهيات مثل قوة العناية الإلهية التي تفوق الطبيعة وتعين الإنسان عليها، ووراثة السلطة دور العناية الإلهية إذ تكون أولا إلهية ثم إنسانية ثم طبيعية، وهي سلطة القانون الطبيعي، وكشف تاريخ الأفكار الإنسانية تصورات البشر للأشياء على أنها آلهة، ثم النقد الفلسفي لهذا التاريخ، ثم تاريخ الشعوب في مسارها، كل على حدة كتاريخ أبدي، ونظام القانون الطبيعي للشعوب، وأخيرا مبادئ التاريخ العام من خلال المراحل الثلاث التي تصورها المصريون والتي أصبحت قانون تطور التاريخ عند فيكو.
والمنطق الشعري يبين أهمية الشعر كمنطق ولغة وتعبير واتصال وتخاطب قبل المنطق الصوري الذي وصفه الفلاسفة، فالمنطق من لفظ
Logos
وهو يعني أيضا أسطورة؛ أي التعبير ثم تأتي أهمية الفكر في الخطاب بعد ذلك.
الأسطورة لغة، تعبر عن الأشياء أحياء، وتعتمد على الخيال والرمز والاستعارة والكناية وشتى أساليب البيان، وهو ما سيلاحظه كاسيرر بعد ذلك في «فلسفة الصور الرمزية» وكلها مستقاة من جسم الإنسان وحواسه وانفعالاته. فالرأس للقمة، والكتفان للثقل، والفم للفتحة، والشفاه للكوب، والعنق للنهر، والجسد للأرض ... إلخ، وطبقا لقوانين المجاز مثل التعبير عن الجزء بالكل أو عن الكل بالجزء. والشعر أسبق من النثر ظهورا لدى كل الشعوب لأنه أكثر قدرة على التعبير وأقل تطلبا للفكر. كما أن فن السخرية بدأ بعد ظهور التفكير لأنه يتطلب معرفة جدل الصدق والكذب. والتحولات الشعرية أو مسخ الكائنات في الشعر أتى من عجز الذهن الإنساني عن تجريد الصفات أو الخصائص مثل الأطفال. والخطاب الشعري يسمح بالكشف عن عادات القدماء وحكمهم وأمثالهم وكل ما يتعلق بالقوانين الاجتماعية والنظم والاحتفالات والشعارات والعلامات ورموز الحكم. وقد نسبت كل الشعوب حكمتها الباطنية إلى المؤلفين الأوائل مثل زرادشت في الشرق، وكونفوشيوس في الصين، وهرمس مثلث العظمة في مصر، وأورفيوس لدى اليونان، وفيثاغورس في إيطاليا. ولما كان الشعر يقوم بدور اللغة فمن المهم معرفة نشأة اللغات وقبلها نشأة الحروف؛ وبالتالي معرفة مصادر اللغة الهيروغليفية والأسماء وشارات الأسر والميداليات والنياشين والنقوش والنقود ... إلخ. بل إن لفظ حرف
character
يعني أيضا صفة وكأن الصفات أو الأفكار كانت في نشأتها حروفا وأن الحروف تعبر عن الأفكار. كما أن الاسم والصفة تعني نفس الشيء عند اليونان؛ لذلك كانت أسماء الله هي صفاته. ويعدد فيكو ثلاثة مبادئ لنشأة الحروف واللغة؛ تصور الشعوب الأولى للأشياء على أنها جواهر حية، والتعبير عن ذلك بالحركات والأشياء التي لها علاقة بالأفكار، ثم التعبير عن ذلك أخيرا بلغة ذات دلالات طبيعية. ويضع فيكو ثلاث لغات للعصور الثلاثة لتطور البشرية؛ اللغة الهيروغليفية أي اللغة المقدسة أو الإلهية في عصر الآلهة، ثم اللغة الرمزية في العصر البطولي، ثم اللغة الشعبية، لغة الرسائل والسوق في العصر الإنساني، ولكن كيف تختلف اللغات لدى الشعوب؟ يرجع الاختلاف إلى البيئة الجغرافية التي اقتضت طبائع مختلفة وعادات مختلفة. لقد بدأت اللغات الثلاث في نفس الوقت، لغة الآلهة صامتة، ولغة الأبطال بين الصمت والنطق، ولغة الشعب ناطقة، وبدأ النطق بتقليد الأصوات كما يفعل الأطفال وكما هو واضح في الألفاظ الصوتية
Onomatopia . ثم نشأت الكلمات من وضع الضمائر من الأصوات التي تدخل على انفعالات الإنسان بمفرده، المتكلم والمخاطب والغائب، وهي أيضا أحادية المقطع، ثم نشأت الأدوات أيضا أحادية المقطع والحروف ثم الأسماء ثم أخيرا الأفعال لأنها تدل على الحركات وتضم الأزمنة، الماضي والحاضر والمستقبل. كذلك نشأ الأسلوب الشعري، الاستطراد، والقلب، والإيقاع، والأوزان، وأنواع الشعر واستعملته الشعوب بسبب عجز اللغة عن التعبير؛ لذلك امتلأ الأسلوب الشعري بالصور والخيالات والتمثيلات والمقارنات والاستعارات والحسيات والتكرار . ومن اللغة نشأ القانون؛ فقد استعملت الحروف والأسماء والشارات والعلامات والرموز لتأكيد الملكية وتمييز بقعة عن بقعة وإحاطة الممتلكات بالأسوار ثم استعملت القوانين بعد ذلك لأداء نفس الوظيفة. وبعد ذلك نشأ منطق المتعلمين. وأعطى الحكماء الأسماء الطبيعية للأشياء، فالاسم
Name
অজানা পৃষ্ঠা