পশ্চিমা আধুনিক ও সমসাময়িক দর্শনে দার্শনিক গবেষণা (দ্বিতীয় খণ্ড)
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
জনগুলি
وهموم المستقبل في الوعي الأوروبي
وفي الوقت نفسه الذي يحاول فيه جيلنا تحديد مهمته ومرحلته التاريخية المحددة وذلك لاستئناف النهضة الحديثة بالرغم مما اعتراها من عثرات، فإن الوعي الأوروبي اليوم ومنذ جيل أو جيلين يحاول أيضا نفس الشيء أي تحديد مهمته الحالية، وعمل كشف حساب للماضي ولتشخيص أزمته الحاضرة، والتعبير عن هموم المستقبل. وكما كان لديه إحساس بالبداية الثانية إبان عصور الإحياء والإصلاح والنهضة لديه هو الآن إحساس بالنهاية لهذه البداية كما كان لدى ابن خلدون بالنسبة لنهضتنا الإسلامية الأولى. والوعي الحضاري عندما يبدأ يؤرخ لنفسه يكون ذلك مؤشرا لبداية النهاية كما كان الحال عند أرسطو مؤرخا وعند ابن خلدون مؤرخا وعند نيتشه، وشيلر، وهوسرل، وبرجسون، واشبنجلر، وتوينبي مؤرخين للوعي الأوروبي ومعلنين نهايته و«أفول الغرب». إذ يكاد يجمع فلاسفة الغرب في هذا العصر على أن الوعي الأوروبي قد شارف على نهايته بعد أن بدأ في عصر النهضة وتحدد مساره من البداية إلى النهاية. فإذا كانت نقطة البداية في الكوجيتو عند ديكارت، تكون نقطة النهاية في الكوجيتو عند هوسرل، أو الزمان عند برجسون، أو الشخص عند شيلر ومونييه، أو الوجود الإنساني عند الفلاسفة الوجوديين، أو الحياة عند فلاسفة الحياة، أو الفعل عند بلوندل، أو الإرادة عند نيتشه أو العمل عند ديوي وجيمس.
بدأ الوعي الأوروبي في لحظته الحاضرة يعمل حساب الماضي، ويشخص أزمته في الحاضر، ويعبر عن هموم المستقبل. فوجد أنه من هذه البداية في فجر النهضة الأوروبية خرج تياران؛ الأول: التيار العقلي الذي بدأ من ديكارت وسار فيه الديكارتيون؛ بسكال واسبينوزا وليبنتز ومالبرانش ثم كانط من بعدهم. ثم بدأ الكانطيون في تطوير العقل وضم الواقع إليه أو نقده لحساب الوجدان حتى انقلب إلى الضد في الحركة الرومانسية ولدى فلاسفة الحياة والوجود انتهاء بهوسرل، نقطة النهاية، في نقده لصورية العقل. والثاني: التيار الحسي الذي خرج أيضا من ديكارت يمثله الحسيون والتجريبيون؛ لوك وهوبز وهيوم وبداية من بيكون، ابتداء من الحس والتجربة، ناقدين الأفكار القبلية وجاعلين العقل مجموعة من الانطباعات الحسية. تم رفع هذا التيار بنقد المعرفة الحسية ونقد الوضعية بفضل هوسرل وشيلر وبرجسون ومعظم الفلاسفة المعاصرين وعلى رأسهم الوجوديون. فتلاقى التيار الثاني مع التيار الأول في نقطة النهاية، في الكوجيتو عند هوسرل حيث تم نقد التجربة ونقد الصورية، وتحقيق وحدة الشعور بين العقل والتجربة. الوعي الأوروبي إذن له بداية ونهاية ومسار، وله بناء ثلاثي؛ الصورة والمادة والشعور، الرفع والخفض والاستواء، الأعلى والأدنى والداخل.
1
بدأ الوعي الأوروبي يراجع ذاته، ويقدم لنفسه كشف الحساب لكل من تياراته الثلاثة، ولبنائه وتطوره، مبينا مكاسبه ومخاسره فلعله يراجع ماضيه، ويحول مخاسره إلى مكاسب جديدة إن لم يكن الأوان قد فات، وانتهت الدورة الحضارية الأوروبية الثانية إذ كانت دورتها الأولى قد تمت لدى اليونان والرومان، لعله يراجع ماضيه، يعرف عيوبه وسبب أزماته الحاضرة، وغموض مستقبله الذي شارف على التقلص والاحتضار. فوجد هذا الحساب كالآتي: (1)
بالرغم من انتصارات العقل ونقده للموروث وصراعه ضد السلطتين الدينية والسياسية، وإخضاعه النصوص الدينية للنقد، وتأسيسه علما جديدا وهو النقد التاريخي للكتب المقدسة، ورفضه للتقاليد، ونبذه للتقليد، وأخذ الوضوح والتميز مقياسين للصدق، وطلب الدليل للبرهان، وصياغته للتفكير المنهجي ولخطوات المنهج العقلي إلا أن العقل بعد جهاد دام خمسة قرون قد انتهى إلى الصورية والتجريد حتى أصبح فارغا بلا مضمون بالرغم من محاولة هيجل التوحيد بينه وبين الواقع. ويتضح ذلك جيدا في صورية كانط وحساب ليبنتز مما جعله ينقلب إلى الضد في الحركة الرومانسية وثورة الوجود عليه في الفلسفة الوجودية المعاصرة، واعتباره مضادا للحياة لدى فلاسفة الحياة مثل أونامونو ونيتشه وبرجسون. أصبح غير قادر على إدراك العنصر الحركي في الحياة، ولا يتجاوز إدراك العناصر الثابتة فيها، فغابت الحركة منه، وأصبح أقرب إلى الآلية مما سبب رد فعل الرومانسية عليه. كانت وظيفته أحيانا تبرير المعطيات المسبقة الدينية أو الفلسفة أو الواقعية. يفهم كل شيء، ويجد أسبابه ومبرراته. فالدين والعقل شيء واحد عند العقليين، والطبيعة والعقل شيء واحد عند الحسيين، والعقل والواقع شيء واحد عند الهيجليين، ما دامت وظيفة العقل هو الفهم، والفهم هو إيجاد الاتساق الداخلي للموضوع. وتظهر خطورة الأمر إذا ما انتقل العقل إلى تبرير المعطيات القديمة الموروثة أو النظم السياسية القائمة مما جعل ماركيوز يجعل من العقل مقدمة للثورة وباعثا عليها. اقتصر العقل على السطحي والخارجي دون أن يكون قادرا على الدخول إلى جواهر الأشياء وإدراك مضامينها الداخلية والاتحاد بحقائقها حتى جعله برجسون أقرب إلى جهاز التصوير الخارجي الذي لا يعلم بواطن الأمور، مما دفع بالفكر المعاصر إلى الواقع في رد الفعل المضاد، أعني الاشتباه والاقتباس والتأويل والظلام والليل والإيحاء والتصوف أحيانا. كما انتهت المثالية الناتجة عن العقل إلى مبادئ عامة شاملة أحدثت ثورات، لكنها لم تستطع تجاوز حدود القوميات، فالشمول للوعي الأوروبي دون غيره، بل والوقوع أحيانا في نطاق القوميات الضيقة، الألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية مما دفع الوعي الأوروبي إلى الانقسام على ذاته والوقوع في أسر العنصرية والشوفينية. كما أمكن استخدام العقل لخدمة مصالح الطبقات المتوسطة لقدراته على تنظيم العمل، وكشف قوانين السوق، وتنظير العالم، فأصبحت العقلانية دعامة للرأسمالية الناشئة مما أدى إلى اتهامه بعد ذلك بأنه قادر على فهم العالم دون تغييره، وقدرته على صياغة العالم وعجزه عن تغييره، واستعماله للدفاع عن الطبقات العليا دون الدفاع عن الطبقات الكادحة؛ لذلك كان الحزب البروليتاري عند ماركس هو الوريث الوحيد للأيديولوجية الألمانية.
2 (2)
وبالرغم من انتصارات التيار التجريبي، واعتبار التجربة مقياسا للصدق، وإعادة الثقة بالمعرفة الحسية، ونشأة العلم، واحترام الطبيعة، واستقلال قوانينها واطرادها، وكشف أخطاء المعارف المسبقة التي تعتمد على السلطة والعقائد الموروثة والثقة بالعالم الخارجي والاعتراف بوجوده إلا أنه انتهى أيضا إلى إنكار كل المعارف المسبقة وكل المعطيات القبلية، ورفض الاتساق العقلي، وبداهات العقل وقوانينه الثابتة حتى أصبحت التجربة نوعا من التحيز المسبق والحكم المبتسر مما أضر بالعلم ذاته. كما أنه تصور كل معطى على أنه ظاهرة مادية مرئية تقاس في المكان، وأغفل الظواهر الكيفية الخالصة واستحالة تحولها إلى ظواهر كمية. وقع في التصور الكمي للعالم الذي يعتمد على القياس، وأغفل الكيفيات الخالصة، ولم تنفعه الرياضيات البحتة في الحصول على الكيف بل وقع في حساب الكم، مما دفع بعض المعاصرين إلى وضع العلم الكيفي في مقابل العلم الكمي كما فعل برجسون وهوسرل. وقد قام هذا التيار على إيمان لا حدود له بالتطور والتغير مما جعل الثبات يتوارى. بل إن العلم الحديث يقوم كله على الاحتمال وليس على الثبات، وعلى حساب الاحتمالات وليس على ثبات قوانين الطبيعة. وبلغ الحد من الإيمان بقدرة العلم على اختراع كل شيء إلى أن تحول الطبيعي إلى صناعي والغائب إلى الشاهد؛ لذلك تم استخدامه في الصناعة إلى أقصى حد، وحول المجتمع كله إلى مجتمع صناعي بكل عيوب هذا المجتمع التي تدخل حاليا في أزمة الحاضر وهموم المستقبل. كما تم استخدامه في الحروب وصناعة السلاح من أجل التدمير والفناء. وأصبح التقدم العلمي مرادفا للخراب. هذا بالإضافة إلى ما سببه العلم من تخزين للمعلومات وإضرار بالعقل البشري الطبيعي وبقدراته على الخلق والتخطيط والإبداع بعد أن تنازل عن وظائفه هذه كلها إلى الحاسبات الآلية؛ ومن ثم تحول الذهن البشري إلى مسطح يخلو من العمق، وتحول العلم إلى جهل. وكثيرا ما كان التيار الحسي التجريبي أقرب إلى النظم المحافظة الرجعية في السياسة كما لاحظ ذلك ماركيوز على الوضعية التي تؤمن بالوضع القائم دون تغييره والثورة عليه.
3 (3)
وبالرغم من نجاح الفلسفات المعاصرة الإنسانية والوجودية والبراجماتية والشخصانية والظاهراتية في اكتشاف الإنسان من جديد والدفاع عن وجوده وحريته والكشف عن عيب الاتجاهين الرئيسين في الوعي الأوروبي الصوري والمادي، العقلي والتجريبي، وبدايات النقد الاجتماعي لروح العصر، والتعبير عن هموم المستقبل إلا أنها انتهت أيضا إلى الوقوع في العبث واللامعقول والتناقض وهي بصدد نقد صورية العقل، وإعلان عجز العقل كلية عن إدراك أي اتساق في الواقع، والإيمان بالعنصر اللاعقلي، وإعطاء الأولوية المطلقة له على أي عنصر عقلي في الحياة كما اتضح ذلك خاصة عند كيركجارد وكامو. كما تم الرفض التام للعلم باعتبار أن الذاتية شيء مخالف للموضوعية، وبأن الإنسان ليس ظاهرة علمية أو واقعا ماديا أو موضوعا يخضع لملاحظة العلم وقوانينه. الإنسان ذاتية خالصة، إمكانية وحركة، ومشروع يتحقق، وحرية كامنة لا يمكن التنبؤ بمسارها. فوقعت في النزعات غير العلمية وأحيانا في النزعات الصوفية الإشراقية. كما انتهت معظم هذه الفلسفات إلى نوع من العدمية النسبية أو المطلقة بعد تحليل تجارب الموت والهم والحصر والغثيان والرغي وحب الاستطلاع والنفي والتساؤل، والدعوة إلى الانتحار وتصور الإنسان في الحياة مثل سيزيف يعيش بلا أمل ومحكوم عليه بالشقاء. وقعت في التشاؤم واليأس، وضاعت روح الأمل والتفاؤل التي كانت سائدة في بداية الوعي الأوروبي والتي ظهرت في فلسفة التاريخ، وانتفت الغائية ، وسادت العشوائية والاحتمال وعدم القدرة على التنبؤ بأي شيء. وأصبح المجهول أكثر إغراء من المعلوم، والليل أكثر دلالة من النهار، والغموض يوحي أكثر مما يوحي الوضوح. اشتدت النزعة الفردية التي تغفل دور الجماعة بالرغم من «ثورة الجماهير» عند أورتيجا و«نقد العقل الجدلي» عند سارتر، و«العقل والثورة» عند ماركيوز، وبالرغم من محاولات التوفيق بين الوجودية والماركسية خاصة عند لوكاتش واكتشاف الوعي الطبقي في التاريخ. اشتدت أزمة العلوم الإنسانية بعد أن احتارت بين مناهج العلوم الرياضية أولا بعد نجاحها في القرن السابع عشر وبين مناهج العلم الطبيعية بعد نجاحها في القرن التاسع عشر، وعودتها إلى الرياضة البحتة أو إغراقها في تحليلات الشعور والتجارب الحية.
অজানা পৃষ্ঠা