পশ্চিমা আধুনিক ও সমসাময়িক দর্শনে দার্শনিক গবেষণা (দ্বিতীয় খণ্ড)
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
জনগুলি
لما كان النص تدوينا لموقف وتسجيلا لحدث ورد فعل عليه فإنه لا يفهم إلا بإرجاعه إلى الموقف الأول الذي منه نشأ وعنه صدر. فالنصوص مواقف فكرية، واتجاهات جماعات بشرية نحو الأحداث التي مرت بها، رد فعل عليها أو توجيه لها، تقدم حلولا لمشاكلها. إذن لا يمكن فهم النصوص إلا بالرجوع إلى هذه المشاكل الأولى التي استدعت حلولا تم تدوينها في النص. وهذا ما سمي في تراثنا القديم «أسباب النزول». النص بلا موقف صورة بلا مضمون، غطاء بلا آنية، لفظ بلا معنى، روح بلا جسد. تعني أسباب النزول أولوية الواقع على الفكر أي أولوية الموقف على النص. فالموقف سابق على النص لأنه مصدره، والنص تصوير وتدوين له؛ وبالتالي يفسر النص بالرجوع إلى هذه المواقف الأولى. ليس النص تعبيرا بلا أرض ولا وطن بل هو تسجيل موقف، وإفراز عصر. وهو ما يسمى في علم الأخلاق الغربي «أخلاق المواقف» أو في الفلسفة الغربية المعاصرة «المواقف المحددة». ويكون العيب الرئيسي في المناهج التقليدية في التفسير هو اعتبار النصوص مكتفية بذاتها، مغلقة على نفسها، لا تحتاج إلى واقع تشير إليه؛ وبالتالي تقع في الحرفية والقطعية والشيئية.
4
ثامنا: الإحالة إلى الذات
إن نظرية المعاني الأربعة للكتاب المقدس التي اشتهرت في العصر الوسيط الأوروبي من خلال التراث المسيحي الكنسي إنما تدور كلها حول الصراع بين المعنى الظاهري الحرفي والمعنى الباطني الروحي للنص مثل الصراع الذي نشأ بين التنزيل والتأويل، بين الفقهاء والصوفية في تراثنا القديم. فالتفسير الحرفي تضحية بالمعنى من أجل الحفاظ على اللفظ مما أدى إلى الوقوع في التجسيم والتشبيه. والتفسير الرمزي هو حفاظ على المعنى والتضحية باللفظ كرد فعل على التفسير الأول حرصا على التنزيه. أما المعنى الصوفي الإشراقي فهو المعنى الذي يهدف إلى الارتقاء بالروح والعروج بها إلى أعلى من أجل رؤية الحقائق في الملأ الأعلى والتي تتحول إلى أشياء وعقائد بديلة عن العالم. وأخيرا، المعنى الأخلاقي أو الموضوعي فهو المعنى الأكثر ارتباطا بالإنسان وسلوكه وقيمه، يحاول العودة بالنص إلى العالم. فإذا كان المعنيان الأوليان الحرفي والرمزي يمثلان جدل التشبيه والتنزيه فإن المعنيين الأخريين، الصوفي والأخلاقي يمثلان جدل الملأ والإنسان، العقائد والأخلاق.
1
أما التفسيرات العقائدية فإنها أيضا تجعل النص مصدرا لحقائق قطعية منغلقة على ذاتها، منفصلة عن العالم، تخلق عالما بديلا من الوهم وتخلق موقف الاغتراب؛ فالعقائد ليست أشياء أو وقائع بل هي أسس لتصورات العالم وبواعث على السلوك. ليست بديلا عن العالم بل تنظير له، كما هو الحال في النظريات والمذاهب والأيديولوجيات. يهدف التفسير العقائدي للنصوص إلى الخروج من العالم الطبيعي إلى عالم ما فوق الطبيعة وبالتالي يتحول الواقع إلى وهم والحقيقة إلى زيف. وقد حدث ذلك في التفسيرات الكاثوليكية، والأشعرية.
2
أما التفسير الطبيعي الذي يعتمد على نتائج العلوم الطبيعية ويقرأ من خلالها النص فإنه يقوم على إحساس بالنقص أمام العلم الطبيعي، فالظن لا يغني عن اليقين، والأهواء والانفعالات لا تقاس بالوقائع والحقائق. كما أنه نوع من الدعاية الخطابية بأن الدين يختلف عن العلم وبالتالي تطمئن العامة إلى جهلها وينشأ فريق للتكسب بالبرامج الدينية العلمية. الحقيقة أن هذا التفسير يجعل القيادة والريادة للعلم، والدين مجرد لاحق وتابع. تضيع ثوابت الأديان أمام متغيرات العلم، ويقضى على وحدة الأديان أمام اختلاف العلماء. ويظل العلم متميزا بمنهج الاكتشاف ويقتصر الدين على منهج التبرير. التفسير الطبيعي للنصوص الدينية لا هو علم ولا هو تفسير بل مجرد خداع وهم يكون الدين فيه هو الضحية. العلوم الطبيعية مستقلة بذاتها من حيث هي علوم ونظريات ولو أن قراءة النص الديني أو الأدبي قد تكون باعثا على التوجه نحو الطبيعة أو مثيرا للخيال العلمي. وقد تكون قراءة الطبيعة قراءة مباشرة باعتبارها آيات أكثر علمية من العلوم الطبيعية لأن هذه القراءة تحيل إلى المعنى والمعنى مقروء في النص. فالآية واحدة، آية نصية أو آية طبيعية.
3
لقد استطاعت العصور الغربية الحديثة منذ رتشل وشليرماخر ودلتاي حتى بولتمان وهيدجر وإيبلتج وفوكس وأوط وبابنبرج اكتشاف عالم الذات، وأصبح علم التفسير جامعا لعدة علوم مثل علم النفس وعلم اللغة وعلم الاجتماع، كما أصبح عصبا لنظريات المعرفة والوجود والقيم على حد سواء. أصبحت مهمة علم التفسير إقامة جسور بين الله والإنسان، بين الماضي والحاضر، بين الذات والموضوع، بين اللفظ والمعنى، بين العلم والدين، بين الأسطورة والواقع، بين الكتاب المقدس والدعاية، لا فرق في ذلك بين نص أدبي أو نص ديني. تم اكتشاف الوجود الإنساني باعتباره تفسيرا يرجع إليه تفسير النص، كما تم اكتشاف العالم الذاتي باعتباره موطن التفسير القادر على تأويل الأساطير.
অজানা পৃষ্ঠা