দ্বীন
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
জনগুলি
الأمة تمثل خصوبة التربة وسلامة الأداة، والزعيم يضع البذر ويسقيه، ويتعهده وينميه، والزعيم يحرك الأداة ويوجهها، ويرسم طريقها، ويقف بها عند أهدافها، بل كثيرا ما يضيء لها هو تلك الأهداف ويحددها؛ وذلك حيث تكون حاجات الأمة غامضة مشتبكة الطرق ، غير واضحة المعالم في العقل الجمعي، فتبقى متلهفة إلى رجل الساعة الموهوب الذي يتركز فيه وعيها، وتتحدد في نفسه حاجاتها، ويكون له من الحدس أو الإلهام أو الوحي ما ينشر به وسائل تحقيقها، ويملك من العزم والحزم ما يحكم به قيادتها ويبلغها إلى أهدافها، فإذا ظفرت به وألقت إليه بالمقاليد فقد أصابت رشدها، وفتحت لنفسها صفحة جديدة من القوة والمجد، أما إذا تشعبت عليها الطرق، واختلف الزعماء، ولم يستبن لها وجه الاختيار، أو أنها أساءت الاختيار فأهملت داعيها الرشيد أو أنكرته وقضت عليه بالإخفاق أو الموت - لا لأن دعوته تتنافر وطبيعتها، بل لأنها جهلت حقيقة نفسها، وطاشت أحلامها - فإنها تكون حينئذ قد سلكت طريق شقائها، وآثرت الانتحار على الحياة من حيث لا تشعر.
وهكذا يكون من المكابرة وإنكار البداهة جحد أثر الأفراد في أديان الجماعة ونظمها؛ كما يكون من المكابرة وإنكار البداهة نفي أثر الجماعات فيها.
غير أن أخشى ما نخشاه من الغلو في إبراز هذا الجانب الجمعي من تلك الحقيقة المزدوجة، أن يبعث في نفوس الأمة نزعة جبرية مثبطة، تحمل أفرادها على القعود والتواكل، انتظارا لما في الوعي الجمعي من الطاقات الكامنة والأسباب الغامضة، بدل ذلك النشيد الحماسي الذي يغري الأفذاذ بالنبوغ، ويملؤهم بالأمل في دفع الجماعة إلى الأمام. (6) المذهب التعليمي أو مذهب الوحي
تشترك المذاهب المتقدمة كلها في أن العقيدة الإلهية وصل إليها الإنسان بنفسه، عن طريق عوامل إنسانية - سواء أكانت تلك العوامل من نوع الملاحظات والتأملات الفردية، أم من نوع جنس التأثيرات والضرورات الاجتماعية اللاشعورية.
في الطرف المقابل لهذه النظريات كلها يقرر المذهب التعليمي أن الأديان لم يسر إليها الإنسان بل سارت هي إليه، وأنه لم يصعد إليها بل نزلت عليه، وأن الناس لم يعرفوا ربهم بنور العقل بل بنور الوحي.
هذه النظرية التي أخذت بها أوروبا طوال القرون الوسطى، وأيدها بعض علماء التاريخ حتى في القرن التاسع عشر، لا تزال هي المذهب السائد عند كبار رجال الدين عندهم، كما أننا نجد في الكتب السماوية مصداق الجانب الإيجابي منها.
فهذه الكتب تقرر أن الله سبحانه لما خلق أبا البشر كرمه وعلمه حقائق الأشياء، وكان فيما علمه: أنه هو خالق السماوات والأرض وما فيهما، وأنه هو خالق الناس ورازقهم، وأنه هو مولاهم الذي تجب طاعته وعبادته، وأنه سيعيدهم إليه ويحاسبهم على ما قدموا، ثم أمره أن يورث علم هذه الحقيقة لذريته؛ ففعل وكانت هذه العقيدة ميراث الإنسانية عن الإنسان الأول.
نعم، إن الناس لم يكونوا كلهم أوفياء بهذه الوصية المقدسة، بل إن أكثرهم وقع في الضلال والشرك، ولكن هذا التعليم الأعلى لم يمح أثره محوا تاما من البشرية، ولذلك ظلت فكرة الألوهية والعبادة بوجه عام مستمرة في جميع الشعوب، على أن العناية السماوية بهذا التعليم الروحي لم تقف به عند الإنسان الأول، بل ما زالت تتعهد به الأمم في فترات تقصر أو تطول، وجعلت تذكرهم به على لسان سفراء الوحي من الأنبياء والمرسلين، وإن كتب الديانات العظمى لتنتسب كلها إلى هذا المصدر السماوي.
الفصل الخامس
نظرة جامعة
অজানা পৃষ্ঠা