দ্বীন
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
জনগুলি
الديانة تعيش بسلطان ونفوذ كنفوذ الدولة، والفلسفة لا تعيش إلا في جو الحرية. (3-4) مناقشة هذه الآراء
الناظر في هذه الفروق يرى أنها - في جملتها - لا تصور الديانة والفلسفة في كل الأدوار التي مرت بهما، بل تصفهما في حالتهما الحاضرة، وفي أوروبا المسيحية على وجه أخص، فهي تصور لنا الأديان الموروثة عن السلف في حالة استقرارها وثباتها، بعد أن أصبحت عقيدة للجمهور، وصارت جزءا من تاريخه، يحف بها جلال الماضي، ويحوطها سلطان الكنيسة، وقد بعد عهدها بتاريخ نشأتها الغامض، ثم تصور لنا الفلسفة بازغة في عقل الفيلسوف، مطبوعة بطابع عقله ونزعاته وأحاسيسه، طليقة من كل قيد، تستطيع أن تلبس كل يوم ثوبا جديدا.
ولا ريب أننا حين نعقد المقارنة هكذا في ملابسات متباينة، نحصل على صورتين متفاوتتين: فالديانات تبدو لنا في مظهرها الاجتماعي المستقر، والفلسفة في طابعها الفردي الحر المتجدد، وهكذا يصدق القول بأن «الديانة هي فلسفة الشعوب والجماهير»، وأن «الفلسفة هي ديانة الأفذاذ الممتازين».
أما إذا عدنا بالديانات إلى عصور نشأتها، أو عصور تجديدها وإصلاحها، فإنها تبدو لنا هي أيضا وهي تحمل أعلاما شخصية: موسى، أو بوذا، أو عيسى، أو ماني، أو محمدا، أو لوثر، أو عبد الوهاب، أو غيرهم، حتى الديانات الوثنية لم تعدم زعماء وضعوا أساسها، أو وسعوا بنيانها، إما بالتفنن والاختراع، وإما بجلب «تماثيل الآلهة» من رحلاتهم في مختلف الأقطار، كما يحدثنا التاريخ عن بعضهم.
وليس جهل الشعب بحياة مؤسس ديانته دليلا على أن هذه الديانة في نشأتها كانت من وضع الشعب في الجيل نفسه أو في جيل سابق، وكل ما في الأمر أنها ميراث جهلوا مورثه، نعم إن هذه التركة قد يكون أصابها على مر العصور شيء قليل أو كثير من التحول والتطور، حتى أصبحت في وضعها الأخير أثرا مشتركا، وثوبا مرقعا، ينتسب إلى أكثر من فرد واحد، وتقبله الشعب هكذا على علاته، ولكننا متى ارتقينا بهذا الميراث الشعبي من عصر إلى عصر، حتى نصل إلى عهد نشأته ، لا بد أن نصل إلى مبدأ لا يكون هو الشعب في جملته ولا جماعة من الشعب. وإلا فليجيئونا بمثال تاريخي واحد، اجتمع فيه شعب من الشعوب أو طائفة من رؤسائه، فتواضعوا فيما بينهم على ابتكار منظمة دينية جديدة، يخلقون عقائدها وعباداتها جملة وتفصيلا، من غير أن يكون بين أيديهم أثر يأثرونه عن سلفهم، ولا كتاب يدرسونه ويجتهدون في فهمه وتأويله، منسوب إلى فلان أو فلان.
على أن غموض تاريخ مؤسسي الديانات، وعدم تحديد العصور والملابسات التي ظهرت فيها كتبهم ليس قاعدة عامة؛ فهذا تاريخ الإسلام ونبيه وكتابه غض طري، كأنه ولد أمس، وعلماء أوروبا يعترفون بذلك ويعلنونه في إنصاف وصراحة. غير أنهم يعدونه استثناء من قاعدة الأديان، لكن الحقيقة أن القدر الذي يصح عده استثنائيا في الإسلام من هذه الناحية هو درجة الوضوح التاريخي ومتانة الأسانيد المتصلة لكتابه في جملته وتفصيله، أما الوجود التاريخي لزعماء الأديان ومجمل دعوتهم، فهذا قدر مشترك بينه وبين كثير من الملل، حتى لو سلمنا أنه استثناء، فقد أصبح الفارق الذي يزعمونه بين نشأة الدين ونشأة الفلسفة غير صحيح على عمومه.
وكما أن الديانات بعد تأسيسها تميل إلى الثبات والاستقرار بين الشعوب حتى يقوم فيها مجددون أو مصلحون، فكذلك تعاليم الفلسفة ومقررات العلوم، حتى الرياضيات والطبيعيات نفسها، مالت إلى الركود في كثير من القرون. والتجديد في كلا الميدانين يلاقي مناهضة شديدة، وكم من الاختراعات والاكتشافات الحديثة عدت جنونا من مدعيها حتى في الأوساط السياسية والعلمية.
أما حديث المظاهر الاجتماعية في شعائر العبادة، فإنه ينطبق حقيقة على الأديان العامة التي استكملت عناصرها وفروعها؛ ولكنه لا ينطبق على الأديان الفردية، التي لا تعدو أن تكون وجدانا غامضا أو عقيدة مبهمة تتجمجم في الصدر، ولا يحسن صاحبها التعبير عنها بشعار خاص، وقد رأينا مثلا من ذلك في أديان الحنفاء؛ ولا نزال نرى أمثالهم في كل أمة من ذوي الفطر السليمة، الذين لم تصل إليهم تعاليم الأديان الصحيحة، ولم يعجبهم ما في بيئتهم من العقائد الزائغة، والعوائد المنحرفة، ولكنهم في الوقت نفسه لم يصلوا إلى تحديد وضع معين يتخذونه شعارا لعقيدتهم، فهؤلاء غرباء في قومهم، لا يجد الواحد منهم في نفسه حافزا على الاجتماع بغيره - لأن كل واحد منهم أمة وحده - فضلا عن أن يتفقوا بعد ذلك على نشيد واحد وحركات واحدة يجعلونها شعارا ظاهرا لعقيدتهم، بل نقول: إن حديث الشعائر والمظاهر لا ينطبق على كل الأديان الشعبية. فهذه البوذية الأولى يقولون: إنها لم تكن تعرف إلا العزلة التامة والتفكير العميق، بعيدا عن كل الرسوم والأوضاع العملية. وعلى نقيض ذلك رأينا بعض الفلاسفة «مثل أوجست كونت»، يجهزون مذاهبهم الفلسفية بكافة النظم والشعائر المعروفة في الديانة المعاصرة لهم، وهكذا نرى التفرقة المذكورة لا تستقيم طردا ولا عكسا. (3-5) رأينا في حقيقة الفرق بين الدين والفلسفة
بقيت التفرقة بين الدين والفلسفة بأن الفلسفة لا تعيش إلا في جو الحرية، وأن الدين لا يقوم إلا على السلطان والنفوذ، فهذا قول سديد في الجملة لا على الإطلاق. وهو - إذا استفصل عن معناه - يفتح أمامنا الباب لتقرير الفروق الصحيحة بين هاتين الحقيقتين:
ذلك أنه إن كان المقصود قيام الدين دائما على سلطان الدولة ونفوذها، فهي دعوى باطلة؛ إذ إننا نعرف ديانات كثيرة عاشت ونمت في ظل الرفق والتسامح، بعيدا عن كل حكم وسيطرة، والبوذية أوضح مثال على ذلك، بل المسيحية والإسلام - في أول عهدهما على الأقل - قاما على احترام حرية الضمير، وعدم الإكراه في الدين، كما أننا نعرف عهودا تطاولت فيها الفلسفة إلى مقام الحكم، وتسلحت لمطاردة أعدائها وإخضاعهم.
অজানা পৃষ্ঠা