দ্বীন
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
জনগুলি
1
أذهانهم.
هذا الغلو في طرف التضييق لدائرة المحدود، يقابله - كما رأينا - غلو في الطرف الآخر، يمثله فريق من علماء الاجتماع وعلماء الآثار «أمثال إيميل دوركايم، وسالمون ريناك»، فهؤلاء لا يكتفون بحذف فكرة «الإله، الخالق، اللانهائي، الذي لا يحيط به التصور» من التعريف الجامع للأديان، بل يذهبون إلى وجوب إبعاد أصل فكرة الألوهية بكل معانيها من هذا التعريف؛ محتجين بأن في الشرق أديانا، مثل البوذية، والجاينية، والكونفوشيوسية، تقوم على أساس أخلاقي بحت، خال من تأليه كائن ما، وأن الذين يؤلهون «بوذا» و«جينا» إنما هم مبتدعون، خارجون عن أصول دينهم الحقيقي القديم.
فلننظر في قيمة هذا النقل، ومغزى هذه الحجة!
هل يعني هؤلاء الباحثون أن الأديان الصينية المذكورة مجردة من كل فكرة نظرية اعتقادية؟
إن الحقيقة التي أجمع عليها مؤرخو الأديان هي أنه ليست هناك جماعة إنسانية، بل أمة كبيرة، ظهرت وعاشت ثم مضت دون أن تفكر في مبدأ الإنسان ومصيره، وفي تعليل ظواهر الكون وأحداثه، ودون أن تتخذ لها في هذا المسائل رأيا معينا، حقا أو باطلا، يقينا أو ظنا، تصور به القوة التي تخضع لها هذه الظواهر في نشأتها، والمآل الذي تصير إليه الكائنات بعد تحولها، وهذه الأديان الثلاثة المشار إليها لم تشذ عن هذه القاعدة قط؛ فهي من جهة مصدر الحوادث، لا تنكر وجود الآلهة الهندية المسماة «أندرا» و«أجنى» و«ثارونا» ... إلخ، ومن جهة مصير الإنسان، لم تنس تلك النظرية الهندية القديمة في الحياة وآلامها، وفي أن التعلق بملاذها ومتعها هو السبب في عودة الحياة إلى الجسم في صورة ما بعد الموت، فلا ينتقل الإنسان بذلك من ألم إلى ألم، وأنه لا سبيل إلى الراحة التامة إلا بالزهد التام في الحياة، ليموت الإنسان بلا رجعة، فلا يعود إلى آلام الحياة كرة أخرى.
نعم، قد يشكل علينا أن مؤرخي البوذية يقولون: إن الآلهة الهندية، التي سرى الاعتقاد بها إلى البوذية القديمة، لم يكن لها في نظر البوذيين سلطان إلا على العالم المادي، الذي يريد البوذي أن يتخلص منه، فهو لذلك لا يعبدها ولا يرجو خيرها، بل يريد أن يهرب من سلطانها بالموت الأبدي، ثم هو لا يعتمد عليها في شئونه الأدبية، بل يعتمد على مجهوده العقلي والخلقي فحسب، ووجه الإشكال أننا سواء أقلنا إن البوذية القديمة لا تعرف آلهة البتة، أم قلنا إنها تعترف بآلهة لا تعبد، فالنتيجة واحدة: وهي أن تكون هناك ديانات خالية من فكرة العبادة، وذلك إما لخلوها من كل عنصر نظري اعتقادي في مصدر الكائنات، وإما لأنها مركبة تركيب ضم لا امتزاج فيه، من عنصرين متدابرين لا يلوي بعضهما على بعض، بحيث يكون شطرها النظري مثبتا لقوى عظيمة ذات سلطان على الوجود ولكنها لا شأن لها بأعمالنا، وشطرها العملي مبينا لطريق السلوك الذي يخلص النفس من آلام الحياة، من غير توجه إلى تلك القوى.
لكن المسألة إنما هي في صحة تسمية أمثال هذه المذاهب أديانا .
ونحن لا نرى مانعا من أن يصطلح مصطلح على هذه التسمية، ولكنه يكون اصطلاحا نابيا عن معهود الناس، مجافيا لذوق اللغات، ولا سيما لغتنا العربية التي لا تفهم من اسم الدين إلا اعتقادا بشيء يدين له المرء؛ أي يخضع له ويتوجه إليه بالرغبة والرهبة والتقديس، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا: إن كل مذهب يخلو من هذه الدينونة هو أحق باسم «الفلسفة الجافة» منه باسم آخر، وأكبر الظن عندنا أن الديانات المذكورة - البوذية والكونفوشيوسية ونحوهما - ما استحقت أن تدرج في جدول الأديان إلا منذ دخلتها فكرة التأليه، أو على اعتبار أنها كانت كذلك أبدا.
وبالجملة: فنحن لا نوافق على حذف مبدأ الألوهية من تعريف الأديان، بل نذهب إلى القول مع الفيلسوف الألماني «إرنست شلاير ماخر» بأن قوام حقيقة الدين هو ذلك الشعور بالحاجة والتبعية المطلقة لقوة ماهرة، فلا ريب أن هذا الشعور ركن أصيل لا بد منه في تحقيق ماهية الدين من حيث هو.
অজানা পৃষ্ঠা