দিন ইনসান
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
জনগুলি
لم تكن رسوم الكهوف هي الشواهد الوحيدة على التصورات الدينية للباليوليت الأعلى؛ فإلى جانب هذه الأعمال الفنية التي حفظت في حرز حريز، فقد عمد الإنسان الأول إلى إنتاج أعمال فنية من نوع آخر، عثر عليها في مواقع عمله وسكنه تمثلت في الدمى الحيوانية، وفي الدمى الأخرى الأنثوية ذات الشكل البشري، وفي منحوتات بارزة على الصخر تحت سقوف صخرية مضاءة بنور الشمس.
في منطقة لوسيل
Laussel
بجنوب فرنسا وتحت سقف صخري، يطالعنا حرم مقدس من نوع جديد. في الوسط من الحائط الصخري الرئيسي نحت بارز يمثل هيئة أنثوية ترفع بيدها اليمنى وعلى مستوى الكتف قرنا لثور البيسون، أما اليد اليسرى فترتكز بكفها على البطن الممتلئ، وعلى النحت بقايا من مغرة حمراء كانت تلونه منذ أكثر من ثلاثين ألف سنة. وهذه الهيئة الأنثوية لا تشبه من قريب أو بعيد الهيئة التي نعرفها لإنسان الباليوليت الأعلى من بقايا هياكله العظيمة؛ فمنطقة الحوض والبطن منتفخة بشكل غير اعتيادي، وكذلك الفخدان، والرأس يتخذ شكل كتلة مكورة لم تصور عليها أية ملامح، أما الأطراف فدقيقة بشكل غير متناسب مع كتلة الجسم. بالقرب من هذا الشكل المركزي على الحائط الرئيسي ، عثر على عدد من الهيئات الأنثوية الأخرى منقوشة على قطع متكسرة ومتناثرة من الصخر، اثنتان منها تشبهان الهيئة المركزية وترفعان باليد شيئا لم يمكن التعرف عليه، وثالثة في وضع الولادة، وأخرى لرجل في وضع رامي الرمح، وشذرتان لضبع وحصان، إضافة إلى ألواح صخرية حزت عليها أشكال للعضو الجنسي الأنثوي.
30
فهل نحن هنا، وفي هذا الحرم المقدس المختلف، نقف أمام تعبيرات عن معتقدات مغايرة لما وجدناه في المقامات السفلية المظلمة؟ قبل معالجة هذا التساؤل، دعونا نتتبع التعبيرات الفنية المشابهة، والتي انتشرت في ذلك العصر على رقعة واسعة من أوروبا.
إذا كان فن الكهوف قد ازدهر بشكل رئيسي في المنطقة الفرانكو-كانتربيرية، واستطالاتها على طول محور عمودي يخترق أفريقيا، فإن الأشكال النحتية الأنثوية قد انتشرت على محور أفقي من جنوب روسيا إلى أوروبا الوسطى فأطراف جبال البيرنيه. حتى الآن وفيما عدا النحت البارز لعشتار لوسيل الآنف الذكر، والذي لا ينتمي إلى فن الدمى العشتارية بل إلى ما يشبهه، فإن المنطقة الفرانكو-كانتربيرية قد خلت من الدمى العشتارية بشكل ملفت للنظر، وبطريقة تجعلنا نعتقد بأن فن الرسوم الجدارية قد استنفد كل الطاقة الإبداعية لإنسان تلك المنطقة. أما منطقة الدمى العشتارية، فلم يعثر فيها إلا على كهف واحد في جنوب روسيا مماثل للكهوف المعروفة، وزاخر مثلها برسوم جدارية على النمط نفسه.
31
الأمر الذي يدل على أننا أمام ثقافة باليوليتية واحدة ركزت في كل منطقة على أسلوب في التعبير دون أن تهمل تماما الأسلوب الآخر.
فيما عدا دمية واحدة منفذة بسرعة ودون اعتناء تمثل شكلا ذكريا، عثر عليها بين هدايا جنائزية في أحد القبور، فإن بقية الدمى التي تم العثور عليها على المحور الأفقي الذي يعبر أوروبا من شرقها إلى غربها، فيما بين ضفاف الدون والسفوح الشرقية لجبال البيرنيه، هي تماثيل أنثوية صنعت من مواد طبيعية متنوعة، بينها عاج الماموت والحجر الكلسي والكالسيت والطين المشوي.
অজানা পৃষ্ঠা