169

দিন ইনসান

دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني

জনগুলি

إلا أن التصادمات العنيفة في المسارعات لم تحقق الآمال المعقودة عليها في الكشف عن اللبنات الأولية المكونة للجسيمات الذرية؛ ذلك أن هذه التصادمات لم تؤد إلى تفكيك الجسيمات الأولية إلى مكوناتها، بل إلى خلق جسيمات جديدة ذات طبيعة أولية كطبيعة الجسيمات الداخلة في عملية التصادم. وبعض هذه الجسيمات الجديدة تتمتع بكتلة معادلة لكتل الجسيمات المولدة لها. وهذا يشبه قيامنا بإجراء تصادم عنيف بين سيارتين لمعرفة الأجزاء المؤلفة لهما، ولكننا بدل الحصول على نوابض ونواقل حركة وعجلات وما إليها، فإن التصادم قد أعطانا سيارات أخرى بعضها يماثل تماما السيارتين الأصليتين. يمثل الشكل أعلاه رسما تخطيطيا مأخوذا عن صورة فوتوغرافية من حجرة التصادم، يمثل اصطداما بين بروتونين، حيث قام البروتون الأول بعد دخوله حجرة التصادم باقتلاع إلكترون عن مساره في ذرته، ثم تابع ليصطدم بالبروتون الثاني، لينتج عن اصطدامهما ستة عشر جسيما جديدا.

كيف حصل ذلك؟ ومن أين جاءت الجسيمات الجديدة؟ إن جزءا من الإجابة تقدمه لنا نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، أما الإجابة الكاملة فما زالت من المهمات القائمة لفيزياء الجسيمات؛ فالجسيمات الجديدة تنشأ عن الطاقة التي تكتسبها الجسيمات الداخلة في التصادم أثناء تسريعها، والطاقة تزيد في كتلة الجسيم المتسارع؛ فإذا وصلنا إلى نقطة الاصطدام، كانت الكتلة الأصلية للجسيمين، إضافة إلى الكتلة التي اكتسباها من جراء السرعة الزائدة، كافية لتخليق الجسيمات الجديدة الناجمة عن التصادم. فلقد علمتنا النظرية النسبية مبدأ التعادل بين الكتلة والطاقة، من خلال المعادلة الشهيرة: ط = ك × س

2 ؛ أي: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء؛ أي إن الكتلة ليست إلا شكلا من أشكال الطاقة، وإن العالم المادي الذي كنا بسبيل معرفة جوهره هو عالم بدون جوهر مادي؛ ذلك أن جوهره غير مستقل عن الحوادث التي تكونه على مستوى الجسيمات، حيث الممثل والمسرحية شيء واحد، والمغني والأغنية نسيج متكامل، والراقص والرقصة لا يمكن تمييزهما. إن عالم الجسيمات دون الذرية هو رقصة خلق وفناء دائم، حيث تتحول الطاقة باستمرار إلى كتلة والكتلة إلى طاقة. وبتعبير آخر أدق نقول: حيث تتحول الطاقة إلى أشكالها الأخرى؛ لأننا، سواء في النسبية أم في ميكانيك الكم، نواجه أشكالا لا جواهر، والمهم في أية ظاهرة هو الشكل الذي يتبدى به الحدث، لا جوهر مكوناته.

لكي نفهم المعنى العميق المتضمن في معادلة أينشتاين الآنفة الذكر، لا بد لنا من تقديم توضيح مبسط لمفهوم الطاقة ومفهوم الكتلة؛ ففي حياتنا اليومية نقول عن جسم ما بأنه يحتوي على طاقة، إذا كان قادرا على الإتيان بعمل ما. وهذه الطاقة تأخذ أشكالا كثيرة؛ كالطاقة الحركية، والطاقة الحرارية، والطاقة الكهربائية، والطاقة الكيميائية، والطاقة التثاقلية وغيرها. فبصرف النظر عن شكلها، فإن الطاقة تستخدم لأداء عمل ما. وفي فيزياء الذرة، فإن الطاقة ترتبط بنشاط أو عملية ما، وأهميتها الأساسية تكمن في حقيقة أن الطاقة المتضمنة في عملية ما، هي طاقة محفوظة على الدوام . قد تغير الطاقة من شكلها بطرائق شديدة التعقيد، ولكنها لا تفقد شيئا من كميتها المتضمنة في أية عملية. أما الكتلة فمرتبطة دوما بجسم مادي ما، وهي مقياس لوزنه؛ أي للأثر الثقالي الواقع عليه. إضافة إلى ذلك، فإن الكتلة هي مقياس لعطالة الجسم؛ أي لمقاومته فعل التسارع. فالأجسام ذات الكتلة الكبيرة أصعب على إكسابها سرعة إضافية من الأجسام ذات الكتلة الصغيرة، ويستطيع أن يختبر هذا الأمر كل من حاول دفع سيارة على الطريق. وفوق ذلك، فإن الكتلة ترتبط في المفاهيم الفيزيائية التقليدية بجوهر غير قابل للفناء، هو أصغر جزء مكون لها، والذي يكون أيضا كل كتلة أخرى.

ولكن ها هي النظرية النسبية توحد بين هذين المفهومين المستقلين، وذلك بإظهارها أن الكتلة ليست إلا شكلا للطاقة؛ فالطاقة لا يمكن لها فقط أن تتحول من أحد أشكالها إلى الآخر، كما هو الحال في تحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة حرارية، وإنما يمكن لنا أيضا أن نبحث عنها في كتل الأشياء؛ فالطاقة المتضمنة في كتلة جسيم ما، مثلا، تعادل كتلة الجسيم مضروبة بمربع سرعة الضوء. وهذا ما يفسر لنا تخليق المادة واختفاءها في المسارعات النووية، فإذا تم تسريع جسيم إلى ما يقارب سرعة الضوء، فإن كتلته تزداد باطراد، وهذه الزيادة في الكتلة ما هي إلا تعبير عن تحول طاقة الحركة إلى مادة، ثم إذا اصطدم هذا الجسيم المتسارع بجسيم متسارع آخر، تحولت كتلتاهما إلى طاقة، تعمل بدورها على تخليق جسيمات أخرى جديدة تنتج عن التصادم. من هنا يمكن القول بأن الكتلة ليست أكثر من طاقة مخزونة في قمقم علاء الدين. ونحن إذا تأملنا مجددا معادلة أينشتاين أعلاه لتبين لنا من أول وهلة الكم الهائل من الطاقة المخزون في جزء صغير من المادة؛ فلمعرفة كم الطاقة هذا يتوجب علينا أن نضرب الكتلة برقم خيالي هو مربع سرعة الضوء. ولإعطاء مثال توضيحي عن ذلك نقول: إن كتلة البروتون مثلا تساوي حوالي جزء واحد من مليون مليار مليار من الغرام، ولكن رغم ضآلة هذه الكتلة، فإنها تنتج لدى استحالتها إلى طاقة، ومضة من الضوء يمكن رؤيتها بالعين المجردة على مسافة تبلغ عشرة أمتار.

إضافة إلى التوحيد بين الكتلة والطاقة في مفهوم نسبي واحد، فقد عمدت النظرية النسبية أيضا إلى التوحيد بين الزمان والمكان في مفهوم نسبي واحد. ولتوضيح هذا الأمر لا بد لنا من إلقاء نظرة على القوانين الخمسة للنظرية النسيبة.

12

انطلق أينشتاين في بناء نظريته من مبدأين؛ أولهما مبدأ ثبات سرعة الضوء، الذي حوله من لغز إلى بدهية يبتدئ بها، وثانيهما مبدأ نسبية الحركة. ولنبتدئ بالمبدأ الأول. فما الذي نعنيه بقولنا إن للضوء سرعة ثابتة مقدارها 300000كم في الثانية أو 186000 ميل في الثانية؟ إذا كنت في سيارة تنطلق بسرعة 100كم في الساعة، وأمامك سيارة أخرى تسبقك بسرعة 150كم في الساعة، وقمت من مكانك بقياس سرعة السيارة الأمامية، فإنها ستكون حتما 50كم في الساعة، وهذا الرقم هو حاصل طرح السرعتين من بعضهما. أما إذا كانت السيارتان تنطلقان نحو بعضهما في اتجاهين متعاكسين، فإن سرعة السيارة الأخرى مقاسة من قبلك ستكون 250كم في الساعة، وهو حاصل جمع السرعتين المتعاكستين. وهذه من حسابات الحركة المعروفة منذ أيام غاليلو. إلا أن الضوء، وعلى عكس كل ما يتحرك في الطبيعة، يتحرك بسرعة ثابتة وبصرف النظر عن الوضع الحركي للمراقب. فإذا عمدت إلى قياس سرعة شعاع قادم إليك من مصدر مشع ساكن، لوجدتها 300000كم/ثا، وإذا تحركت نحو مصدر الشعاع بسرعة 100000كم/ثا، لوجدت أن سرعته أيضا ثابتة، وهي 300000كم/ثا. والأعجب من ذلك أنك إذا لاحقت شعاعا هاربا وأنت تتحرك بسرعة تصل إلى 250000كم/ثا، لوجدت أيضا سرعة الضوء ثابتة، ولما استطعت أبدا أن تقصر المسافة بينك وبينه.

أما عن نسبية الحركة، فيمكن شرحها من خلال المثال الآتي. تصور أنك قد غادرت الأرض في مركبة فضائية انطلقت بسرعة منتظمة مقدارها 5000كم/سا، حتى غابت الأرض تماما عن ناظريك. بعد أن غدوت وحيدا في الفضاء، فإنك تفترض بأنك ما زلت تسير بالسرعة نفسها؛ لأنها السرعة التي انطلقت بها. غير أن هذه الفرضية غير مؤكدة، ناهيك عن أن مقدار السرعة في الفراغ أمر لا معنى له؛ نظرا لعدم وجود مرجع تبتعد عنه أو تقترب منه، ويعين لك مقدار سرعتك بالنسبة إليه. لنفترض الآن أن سفينة فضائية أخرى قد مرت بك، وأنك قمت بقياس سرعتها من مكانك عند عبورها لك فوجدتها 1000كم/سا. وبما أنك تفترض أن سرعتك ما زالت 5000كم/سا بالنسبة إلى الأرض، فإن تقديرك لسرعة السفينة الأخرى بالنسبة للأرض أيضا سيكون 6000كم/سا، وهو حاصل جمع السرعتين المنتظمتين. إلا أن هذه العملية الحسابية خاطئة كليا في حال غياب مرجعية واحدة للحركة بالنسبة إليكما معا . وفي الواقع، فإن هناك احتمالات أخرى لتفسير تخطي السفينة الأخرى لك بسرعة 1000كم/سا؛ فقد تكون أنت واقفا بسفينتك والأخرى تتحرك بسرعة 1000كم/سا؛ وقد تكون سرعتك 10000كم/سا، والسفينة الأخرى قد مرت بك بسرعة 11000كم/سا؛ وقد تكون السفينة الأخرى واقفة وأنت ترجع إلى الأرض بسرعة 1000كم/سا. كل هذا سوف يدفعك إلى عدم التفكير نهائيا بالسرعة الحقيقية؛ لأنه لا وجود لمثل هذه السرعة في حال غياب المرجع الثابت، وكل ما تستطيع قوله هو أن سرعة السفينة العابرة بالنسبة إليك هو 1000كم/سا، أو بالعكس؛ لأن الحركات كلها نسبية بعضها إلى بعض في غياب المرجعية المشتركة. انطلاقا من هذين المبدأين صاغ أينشتاين قوانين النظرية الخاصة في النسبية، التي سأسوقها فيما يأتي مجردة عن معادلاتها الرياضية.

القانون الأول:

অজানা পৃষ্ঠা