দিন ইনসান
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
জনগুলি
ويقول نيلز بوهر، وهو واحد من أهم مؤسسي فيزياء الكم: «إذا شئنا العثور على مواز للدرس الذي تعطينا إياه الفيزياء النووية، فعلينا أن نلتفت إلى تلك المشكلات المعرفية التي واجهت من قبل مفكرين من أمثال البوذا ولاو تسي، والتي تتضمن من جملة ما تتضمن وضعنا كمشاهدين وممثلين في دراما الوجود الكبرى.»
3
أما فيرنر هايزنبرغ، صاحب تفسير كوبنهاجن المشهور في فيزياء الكم، فيقول: «إن الإسهام العظيم الذي قدمته اليابان مثلا في الفيزياء النظرية بعد الحرب الأخيرة، يمكن أن يعتبر دليلا على وجود قرابة بين الأفكار التقليدية في الشرق الأقصى وبين الجوهر الفلسفي لنظرية الكم. وقد يكون التكيف مع المفهوم الكمومي للواقع أيسر، عندما ينجو المرء من تأثير الأفكار المادية الساذجة التي استمرت تسيطر على أوروبا حتى العقود الأولى من القرن العشرين.»
4
ولقد عثرت شخصيا على العديد من المشكلات المعرفية المشتركة بين الفيزياء الحديثة وفكر محيي الدين بن عربي، وذلك في غمار دراستي للفيزياء الكوانتية تحضيرا للفصل ما قبل الأخير من هذا الكتاب، ونقاط التشابه من الكثرة والتنوع بحيث تستدعي من أحد المهتمين دراسة تفصيلية مطولة.
إن ما أود التوكيد عليه هنا هو أن الدين والفكر الديني ليس مرحلة منقضية من تاريخ الفكر الإنساني، بل هو سمة متأصلة في هذا الفكر، وإذا كانت هذه السمة قد أعلنت عن نفسها زمنيا قبل غيرها ، فكان الدين مصدرا بدئيا للثقافة الإنسانية، فإن كل المؤشرات تدل على أنه ما زال حيا ومؤثرا بطريقة لا يمكن تجاهلها؛ ولهذا لن يتسنى لنا أبدا فهم الحاضر الفكري الغني للإنسان، إذا نحن أبقينا على هذا المصدر البدئي والمحرض الدائم في دائرة الظل، أو تابعنا النظر إليه بمفهوم عصر التنوير الأوروبي، باعتباره لغزا أو فوضى فكرية مرتبطة بطفولة الجنس البشري. (2) تعريف الدين
غالبا ما يبدأ المؤلفون، الذين أخذوا على عاتقهم دراسة الظاهرة الدينية، بوضع تعريف للدين؛ لأنه بدون هذه الخطوة المبدئية قد يجد الباحث نفسه وهو يلاحق ظواهر بعيدة عن الدين، أو يتابع جوانب ثانوية من الدين على حساب جوانبه الرئيسية؛ إلا أن محذور هذه الطريقة يكمن في أن التعريف قد يقود في سبل مضللة، إذا لم تكتمل صياغته عقب دراسة متأنية لتجليات الظاهرة الدينية عبر التاريخ، ولدى مختلف الجماعات البشرية؛ لأنه في هذه الحالة سوف يعكس المواقف المسبقة للباحث وإسقاطاته الخاصة، أو مواقف وإسقاطات الثقافة التي ينتمي إليها ونظرتها إلى الثقافات الأخرى. فنحن هنا أمام مأزق فعلي يتعلق بالمنهج؛ ذلك أن التعريف المسبق ضروري من أجل تحديد وتوضيح مجال الدراسة، ولكننا في الوقت نفسه قد لا نستطيع التوصل إلى مثل هذا التعريف قبل أن نقطع شوطا واسعا في دراستنا للظاهرة الدينية، ونتقدم نحو نهاياتها. من هنا يجنح بعض المؤلفين إلى وضع تعريف أولي لا يهدف إلا إلى رسم الإطار العام لدراستهم، ولا يدعي الشمول والإطلاق. يقول وليم جيمس في بداية كتابه
The Varieties of Religious Experience : «رغم أنه من غير الحكمة وضع تعريف للدين ثم المضي في الدفاع عنه في وجه كل الاعتراضات؛ فإن هذا لن يقف حائلا دون قيامي بتقديم وجهة نظر محدودة بغرض وأهداف هذا الكتاب. فمن بين المعاني المتعددة للكلمة سوف أختار معنى محددا تدور حوله هذه المحاضرات؛ فالدين الذي أعنيه هنا هو الأحاسيس والخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم، وما تقود إليه من تصرفات. وتتعلق هذه الأحاسيس والخبرات بنوع من العلاقة، يشعر الفرد بقيامها بينه وبين ما يعتبره إلهيا ...»
5
ولكن بما أن مجال بحثي هنا يتجاوز المجال الذي حدده وليم جيمس لدراسته، فإنني سوف أتوقف قليلا عند بعض من أهم التعريفات المتداولة في حقل دراسة الدين، والتي طمحت في وقتها للإحاطة بالظاهرة الدينية، وذلك قبل أن أتناول الموضوع من جانبي. وقد تحاشيت، فيما يأتي، استعراض الآراء الفلسفية البحتة؛ لأن الآراء الفلسفية غالبا ما تعكس وجهة نظر شخصية نابعة من النظم الفلسفية لأصحابها، لا من دراسة شاملة للظاهرة الدينية.
অজানা পৃষ্ঠা