দামেস্ক যাদু ও কবিতার শহর
دمشق مدينة السحر والشعر
জনগুলি
ساءت سيرة المعلى بن حيدرة أمير الفاطميين مع الجند والرعية في دمشق، فثار به العسكر وأعانهم العامة، فخربت في الفتنة دمشق وأعمالها، وجلا عنها أهلها، وهان عليهم مفارقة أماكنهم وبيوتهم بما عانوه من ظلمه. قال المؤرخون: وخلت الأماكن من قاطنيها، والغوطة من فلاحيها، وغلت الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضا لانعدام الأقوات، فجاء أتسز من أمراء السلجوقيين واستولى على المدينة بالأمان، وأعاد إليها الخطبة العباسية سنة 468، وانقضت أيام الفاطميين فيها، إلا أن أتسز لم يكن بالدمشقيين أرحم من المعلى، يضاف إلى المصيبة بالسلف والخلف أن رجاء الفاطميين لم ينقطع من استرجاع دمشق، فحاصروها غير مرة ورجعوا عنها خائبين، حتى قيض لها رجل عظيم من مماليك السلجوقيين اسمه طغتكين.
تولى طغتكين دمشق فأحسن السيرة، واستمر في حكمها من سنة 497 إلى سنة 522، فأحبه الدمشقيون كثيرا لبعده عن الظلم، وإعادته إلى الناس أملاكهم التي اغتصبها منهم ولاة الجور، وإحيائه الأراضي المعطلة، فباع منها ما كان شاغرا، وصرف ما حصل من ثمنها في الأجناد المرتبين للجهاد، فعمرت عدة ضياع، وأجريت عيون، وحسنت بإيالته دمشق وأعمالها، وانبسطت الرعية في عمارة الأملاك في باطن العاصمة وظاهرها، ولما مات اشتد حزنها عليه، ولم تبق محلة ولا سوق إلا والمآتم قائمة فيه عليه، وبحسن سياسته أوقف توغل الصليبيين في أحشاء البلاد، وقصر حكمهم على الساحل، وعقد بين المتخالفين من أمراء المسلمين في الديار الشامية صلات الود، ومعاهدات عدم الاعتداء، وألف بين قلوبهم ليجتمعوا كلهم على حرب الصليبيين الذين كانوا وصلوا إلى الأراضي الشامية سنة 490ه، واستولوا على أنطاكية وعلى الساحل الشامي وبيت المقدس.
وعدوا من غلطات طغتكين أن سلم الباطنية الإسماعيلية قلعة بانياس ليسلطهم على الإفرنج، ويحول دون اعتداء هؤلاء على المسلمين، فقوي بهذه القلعة أمرهم، وخف بهرام داعيتهم من العراق، ودعا إلى مذهبه جهرة، فتبعه خلق من العوام والجهال والفلاحين، ووافقه الوزير المزدقاني وزير دمشق، فعظم أمر بهرام بالشام، وملك عدة حصون، وكاتب الإفرنج ليسلم إليهم دمشق، وجعلوا موعدهم يوم الجمعة ليقتلوا المسلمين وهم في صلاتهم، فعلم صاحب دمشق بالأمر فقتل الوزير المزدقاني، وأمر الناس فثاروا بالإسماعيلية، فقتل منهم بدمشق بضعة آلاف، ولم يتعرضوا لحرمهم وأموالهم، ووصل الإفرنج في الميعاد فلم يظفروا بشيء، فتبعهم المسلمون يضربون رقابهم، فما نجا من جيشهم إلا القليل.
ولولا قيام طغتكين ذلك القيام المحمود لاستولى الصليبيون على دمشق وحلب، وكثيرا ما كانوا يغزون ربضهما، ولم تؤد دمشق للصليبيين غرامة على عهده، وظهرت بمظهر دولة قوية، وكأن طغتكين كان مبشرا بالدولتين النورية والصلاحية اللتين جعلتا من دمشق عاصمتهما، وكان لهما شأن وأي شأن في دفع عادية الصليبيين عن الأرض المقدسة، والقضاء على ذاك التذبذب الذي ظهر من الدولة الفاطمية، وكان بعض رجالها كاتب أهل الحملة الصليبية. وطغتكين هو الذي ضرب على أيدي صغار الأمراء في الشام، ممن كان يهون على بعضهم الوقوع في سلطان الصليبيين على أن تبقى لهم إماراتهم الموهومة الضئيلة.
دمشق في عهد الدولتين النورية والصلاحية
لم تر دمشق عزا بعد دولة الأمويين مثل العز الذي نالته على عهد الدولتين النورية والصلاحية. كان نور الدين محمود بن زنكي تركيا، وخلفه صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو كردي، وكلاهما خدم العرب والإسلام خدمة جليلة لا ينساها التاريخ، وفي دولتيهما عمرت دمشق عمرانا عظيما على اشتغال السلطانين برد الصليبيين عن الديار الشامية، وقوت هذه الكارثة العظيمة من متن الأمة، فانتظم شملها بالنظام المحكم، ووجهت وجهتها إلى هدفها الأسمى، وهو القضاء على الصليبيين، وكانت الأمة إذ ذاك على غاية الحماسة الدينية، حتى إن والدة شمس الملوك وافقت أرباب الدولة على قتل ابنها لما استصرخ الإفرنج لتسليمهم البلاد، وكان جده طغتكين المثال الكامل في دفعهم عنها، وقد وصلوا مرة إلى المرج الأخضر من ضواحي دمشق بقيادة كونراد الألماني، ولويز السابع الفرنسي، وبودوين الثالث ملك القدس، في جيش عظيم فهزمهم المسلمون شر هزيمة ودفعوهم إلى الساحل .
أبطل نور الدين في دمشق المظالم والمغارم، ورفع الحيف عن الضعاف، ووجه القوة إلى مقصد واحد، وفتح بعض البلاد التي كان أمراؤها ضعافا في وطنيتهم، ولما استعان شاور وزير العاضد الفاطمي بالصليبيين على قتال جيش نور الدين، بعث العاضد يستنجد بنور الدين، فجهز له حملة بقيادة أسد الدين شيركوه وقصد مصر سنة 562 ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف، فاستنجد شاور بالإفرنج، فساروا في إثر شيركوه إلى الصعيد فهزمهم، ثم ظهر التبلبل في السياسة الفاطمية، وتولى صلاح الدين القيادة فقضى على دولتهم آخر الدهر، وصفت مصر والشام والجزيرة لنور الدين.
وكانت سيرة نور الدين كسيرة صحابة الرسول من التقشف والعفة عن أموال الرعية؛ أسقط كل ما يدخل في شبهة الحرام، وما أبقى من الجبايات سوى الخراج والجزية وما يحصل من قسمة الغلات، وكتب أكثر من ألف منشور بذلك، وأطلق المظالم، وأسقط من دواوينه الضرائب والمكوس عن المسافرين، وسامح الرعايا بمئات الألوف من الدنانير، وكان يأخذ مال الفداء ويعمر به الجوامع والمارستانات، وأخذ من أحد ملوك الإفرنج - وكان في أسره - ثلاثمائة ألف دينار، وشرط عليه ألا يغير على بلاد الإسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، وأخذ منه رهائن على ذلك، وبنى بالمال المستشفى النوري بدمشق، ولما بلغ الملك الإفرنجي مأمنه هلك. ووقف نور الدين الأوقاف العظيمة على جوامع دمشق، وكان يبيع ما يصل إليه من الهدايا، وينفقه في عمارة المساجد المهجورة، وعمر المدارس والطرق والجسور ودور المرضى والبائسين والخانات والأبراج والرباطات، وبنى المكاتب وأجرى عليها وعلى المعلمين فيه الجرايات الوافرة إلى غير ذلك.
أما خلفه صلاح الدين فقد كان مثله في حسن السيرة، وبعد الهمة، وجميل المفاداة، وكان له عطف خاص على الدمشقيين؛ سامحهم بمئات الألوف من الدنانير على نحو ما فعل معلمه نور الدين، وزين مدينتهم هو وآله وعتقاؤه وجواريه بالمدارس والرباطات والمساجد، ولم ينسب إليه شيء منها، وكان يحب دمشق ويؤثر الإقامة فيها، ولما بنى له أحد عماله قصرا، لامه ولم يرض أن ينزله؛ لأنه ما كان يفكر في غير حرب الصليبيين. مات صلاح الدين بعد هذه الفتوح العظيمة ومنها مصر، ولم يخلف سوى جرم واحد من الذهب وسبعة وأربعين درهما، ولم يترك ملكا ولا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا شيئا من أنواع الأملاك، وكان يهب الأقاليم، ويعطي في وقت الضيق كما يعطي في حال السعة، ويفتح بابه للمتحاكمين حتى يصل إليه كل أحد، ويجلس إليهم مجلسا عاما يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء، ويفعل ذلك سفرا وحضرا. قال سبط ابن الجوزي: ويقال إن صلاح الدين فتح ستين حصنا، وزاد على نور الدين مصر والحجاز والمغرب واليمن والقدس والساحل وبلاد الإفرنج وديار بكر، ولو عاش لفتح الدنيا شرقا وغربا.
وما كان أولاد صلاح الدين وحفدته - مع وقوع الخلف بينهم - بغافلين عن زحزحة الصليبيين من مصر والشام، ويولون دمشق عطفا عظيما، ويقيمون فيها المصانع والمرافق مقتفين أثر مؤسس دولتهم الأعظم، وعلى خطته جروا في الحرمة وحب الخير، وكان الملك العادل أبو بكر بن أيوب عظيما بأخلاقه، سار بسيرة أخيه صلاح الدين وكان مستشاره وأمينه، ولولا هذا الاختلاف الناجم بين الأسرة الأيوبية للنزاع على الملك لكانت دولتهم خير دولة قامت؛ ذلك لأن أصحابها كانوا عارفين بصناعة الملك، يحسنون حمل الناس على الجهاد، لإنقاذ بلادهم من العدو، وكان صغارهم وكبارهم على غاية التهذيب مثقفين بأدب الدين والدنيا، ولقد توصل الملك العادل بدهائه إلى أن كان يرشي نساء قواد الصليبيين بالجواهر والحلي الدمشقية، فيخدمنه مقابل ذلك خدمات مهمة ويتجسسن له على قومهن، وكثيرا ما كان أمراء المسلمين يعمدون إلى مثل هذه الوسائط، وقد قدم أحد أمراء دمشق ذات يوم مائتين وخمسين ألف دينار لأحد أمراء الصليبيين، فلما فحصها وجدها زيوفا، ولكن كان السهم نفذ، وحصل الأمير المسلم على ما أهمه الوصول إليه من الصليبي، والحرب خدعة.
অজানা পৃষ্ঠা