معجم التوحيد
معجم التوحيد
প্রকাশক
دار القبس للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٥ هـ - ٢٠١٤ م
জনগুলি
مُعْجَمُ التَّوحِيدِ
دِرَاسَة شَرعيَّة لِمُفرَدَاتِ ألفَاظِ وَمَسَائِل التَّوحِيد مَرَتَّبَة عَلى الحُرُوفِ الهِجَائِيَّة
تأليف
أبي عبْد الرحمن
إبرَاهِيمَ بن سَعد أبَا حُسَين حَفِظه الله
دَارُ القبَسِ للنَّشْرِ والتَّوزِيع
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.
بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ففتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وأقام به الملةَ العوجاءَ، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن التوحيد يحتاج لمعرفته أهل الأرض قاطبة، وأهل الملة الإسلامية خاصة، فهم أحوج إليه من غيث السماء، ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم حنادس (^١) الظلماء، فضرورتُهم إليه أعظمُ الضرورات، وحاجتُهم إليه مقدمة على جميع الحاجات، إذ لا حياة للقلوب، ولا سرور ولا لذةَ، ولا نعيم ولا أمانَ إلا بتحقيق لا إله إلا الله (التي ورّثها إمامُ الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أُسست الملة ونُصبت القبلة وجُرِّدت سيوفُ الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرِّيَّة في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي النشور (^٢) الذي لا يدخل الجنة إلا به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه)، وهى (كلمة
_________
(^١) الحِندِس بكسر الحاء والدال: الليل الشديد الظلمة.
(^٢) في مختار الصحاح: نشر الميِّتُ فهو: ناشر، عاش بعد الموت، ومنه يوم النشور، وأنشره الله تعالى أحياه باب (ن ش ر).
1 / 5
الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها تنقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام، وتميزت دارُ النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (^١).
فأفضل ما شُغلت به الأوقات، وانقضت فيه الساعات توحيد رب العالمين الذي اختاره الله لأنبيائه واصطفى لتحقيقه سادةَ رسله وصفوةَ خلقه.
قال ابن عيينة - رحمه الله تعالى -: "ما أنعم الله على عبدٍ من العباد نعمةً أعظم من أن عرَّفهم لا إله إلا الله. وإنَّ لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا" (^٢).
وقال الإمام المقدسي - رحمه الله تعالى -: "فلو أن الإنسان عرف كل شيء ولم يعرف الله سبحانه كان كأنه لم يعرف شيئًا" (^٣).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى -: "فلا يُزهَّد في التوحيد، فإن بالزهد فيه يقع في ضده، وما هلك من هلك ممن يدَّعي الإسلام إلا بعدم إعطائه حقه ومعرفته حق المعرفة، وظنوا أنه يكفي الاسم والشهادتان، ولم ينظروا ما ينافيه وما ينافي كماله هل هو موجود أو مفقود؟ وهذا كله من عدم التحرز ومعرفة ألفاظ التوحيد لفظة، لفظة" (^٤).
فيا غافلًا عن حقيقة السعادة، دونك ما تسابق الأخيار في تحصيله، وما تنافس الأتقياء في تحقيقه حتى قال قائلهم: مساكين أهل الدنيا مضوا عنها وما حصلوا
_________
(^١) ما بين القوسين من كلام ابن القيم ﵀ في كتاب الجواب الكافي ص ١٣٨.
(^٢) كلمة الإخلاص لابن رجب ص ٥٢ - ٥٣.
(^٣) مختصر منهاج القاصدين ص ١٦٩.
(^٤) شرح كشف الشبهات ١٠٨، ١٠٩. وللاستزادة من أقوال العلماء في هذا الباب انظر في هذا الكتاب باب (التوحيد وأقسامه).
1 / 6
أحسن ما فيها معرفة الله وتوحيده.
كرِّرْ حديثَكَ لي عن بانةِ العلمِ ... فهو الشفاءُ لما ألقاهُ من ألَمِ
إن كان عن ناظِرِي قد غابَ حُسْنكم ... فَذِكرُكم أبدًا في خاطِري وفمِي
وهذا كتاب "معجم التوحيد" (^١)، جمعت فيه ما يتعلق بتوحيد العبادة ومسائل الإيمان، وما يضاده من نواقض الإسلام، وأقسام الكفر، والشرك والنفاق، وما يتعلق به من أصول ومسائل ومصطلحات وتعريفات، مع بيان الغامض من المفردات، ووضع الفوائد والتقسيمات، مما قد يَشُق على الباحث العثور عليه سريعًا وقد اتسعت مسائل هذا الكتاب وتشعبت، وحاولتُ جاهدًا أن أقربها وأُأَلّف بينها وبذلتُ ما في الوسع لأجل ذلك. وانصبَّ الاهتمام على الأصول من المسائل. وقد جعلت كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ﵀ نواةً للعمل، فكل ما استحق بحثًا في مسائله أفردتُ له بابًا مستقلًا، وأضفتُ أبوابًا أخرى لها صلة بالتوحيد، وقام منهجي في ترتيب هذا الكتاب على الآتى:
١ - تعريف لغوي: وهذا مصدره المعاجم المعروفة، ككتاب تهذيب اللغة للأزهري، والنهاية لابن الأثير، ومختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الوسيط وأمثالها، وبعض الأبواب أو العناوين سيتضح المعنى منه من غير تعريف بالمعنى اللغوي، كباب (اتخاذ القبور مساجد)، فمثل هذا لا أذكر له تعريفًا لغويًا لوضوحه.
٢ - تعريف شرعي أو اصطلاحي: وكان مصدره في الغالب التعريفات التي يعتمدها العلماء المحققون، كابنِ تَيمِيَّةَ، وابن القيم، وابن رجب، وابن كثير،
_________
(^١) ملاحظة: عنوان الكتاب يعبر عن جزء منه للاختصار، وإلا فسيطول العنوان حيث تضمن الكتاب معرفة ما يتبع التوحيد من الإيمان وأصوله ونواقضه، وما يلحق به من اعتقاد أهل السنة والجماعة وما يخالف ذلك كالبدعة ... إلخ.
وسبب إيرادي لبعض هذه المسائل أهميتها، ولأن عدم الإيمان بها كفر بالله ﷿.
1 / 7
وأسلافهم. ويلحق بهم أئمة الدعوة بدءًا بالإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وسماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز والألباني وابن عثيمين ﵏.
٣ - الأدلة من الكتاب.
٤ - الأدلة من السنة: والتزمت إيرادها من مصادرها الأصيلة مع عزو الحديث فإن كان عند البخاري أو مسلم فإنني أكتفي بالإحالة لهما أو لأحدهما، فإن كان عند غيرهما أشرت إلى ذلك. أما الأحاديث التي يذكرها عالِمٌ حال النقل عنه فإنني لم ألتزم تخريجها أو تحقيقها بل أوردها كما ذكرها من غير تغيير فيها.
٥ - قول السلف (^١) عملًا بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩ - ٦٠]، يقول الشيخ المعلمي ﵀: "ولا ريب أن الردّ إلى الله ورسوله بعد وفاته؛ إنما يحصل بالردّ إلى الكتاب والسنة، وأن تحكيمه بعد وفاته؛ إنما هو بتحكيم الكتاب والسنة.
ولا ريب أن من الرد إلى الكتاب: سؤال العلماء، كما أن الردّ إلى الرسول: اعتبار خلفائه وورثته من أهل العلم، قال الله ﷿: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٧]، وفي حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "العلماء خلفاء الأنبياء" (^٢)، وله في السنن حديث فيه: "وأنّ العلماء ورثة الأنبياء ... " الحديث (^٣). ولا ريب أن الأئمة المجتهدين من أولى من يدخل في ذلك" (^٤).
علمًا بأني إذا نقلت كلام أحد الأئمة فإني أضع كلامه بين قوسين، فإذا ذكر في كلامه حديثًا أو أثرًا أو كلامَ عالِمٍ آخر جعلتُ علامةَ تنصيص ليتضح ذلك.
_________
(^١) انظر: معنى (السلف) في باب (أهل السنة والجماعة).
(^٢) أخرجه البزار، ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (١/ ١٢٦).
(^٣) أخرجه أبو داود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٣)، وابن ماجه (٢٢٣).
(^٤) البناء على القبور للمعلمي ص ٥، ٦.
1 / 8
- الحكمُ على المسألةِ وبيانُ حلِّها أوحرمتِها أو وجوبها وأثرِها على التوحيد.
- ذكر التقسيمات وإتباعها بفائدةٍ أو فوائد ممَّا يحتاج إليه الباحث، وهذا الترتيب في الجملة وربما خالفت هذا المنهج في بعض المواطن لسبب يقتضى ذلك.
وقد حاولتُ الابتعاد عن التكرار قدر الإمكان مع صعوبة ذلك، فإذا رأيتَ أبوابًا متشابهة في الأسماءِ وظهر لك عدم الفرق بينهما فإن المسائل المندرجة تحتها تختلف عن غيرها، فمثلًا أبواب (الكفر) (التكفير) (العذر بالجهل) (الردة) بينها شَبَهٌ كبير من حيث المعنى ولكن في باب (الكفر) ذكرت تعريفه وأنواعه، والفرق بين كفر الاعتقاد وكفر العمل وغير ذلك، أما باب (الردّة) فذكرت فيه أقسام الردة، وأن الكفر يكون بالقول وبالعمل وبالاعتقاد والترك والشك، وما يترتب على المرتد من آثار. وفي باب (التكفير) ذكرت النصوص الواردة في التحذير من التكفير بغير دليل شرعي ولا علم، والتفريق بين الإطلاق والتعيين، ومعرفة موانع التكفير كالإكراه والخطأ والتأويل والعجز. أما باب (عارض الجهل) فذكرت فيه ضوابط العذر بالجهل ومعنى قيام الحجة، وأن عدمها مانعٌ من تكفير المعيَّن، كما أوضحتُ المراد من بلوغ الحجة وفهمها، وأن الجهل لا يكون فيما هو معلوم من الدين بالضرورة وغير ذلك.
وقد ترِدُ المسالةُ في بابٍ فلا أتكلم عنها بل أحيل على باب آخر مشابه ذكرتُ فيه هذه المسألة بالتفصيل كمسألة (حكم الذهاب للكهان)؛ إذ يحتمل ذكرها في باب (العرَّاف) (الكاهن) (التنجيم)، ففصَّلتُ الكلام عنها في باب (الكهانة)، أما الأبواب الأخرى فعِنْدَ ذكر هذه المسألة فإني أُحيل على الباب الذي فصّلتُ فيه.
أما الأبواب فقد رتبتها ترتيبًا هجائيًا مراعيًا فيه شهرة اللفظ دون اعتبارٍ لأصل اشتقاقه، فلم ألتزم بما التزم به أصحاب المعاجم اللغوية؛ بل رتّبتُ الأبواب وفق لفظها المذكور في كتب أهل العلم وحسب ذكر العلماء لها، كما أهملتُ (أل)
1 / 9
التعريف فيما هو معرّف (بألْ) ومثال ذلك: باب (الاستعاذة) فإنك تبحث عنه في باب الهمزة ثم السين وهكذا، وتبحث عن باب (التوحيد) في الأبواب التي تبدأ بحرف التاء ثم الواو. وبعض الأبواب لا أستطيع إيرادها إلا بعبارتها أو مظهرها الشركي، كباب (ما شاء اللهُ وشئت) (التنجيم)، (الإقامة في بلاد الكفار) وغيرها، وليعذرنا القارئ في التبويب؛ لأن المراد التقريب وسهولة الوصول إلى المفردات المتعلقة بالتوحيد، فأرجوا أن أكون قد سلكت المسلك المناسب في ذلك؛ تسهيلًا لوصول المعلومة إلى القارئ، وهذا محل اجتهاد مني، إن وفقت فيه فذلك فضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
وقد دفعني إلى ترتيب هذا الكتاب على حروف المعجم حاجة بعض طلبة العلم والدعاة والخطباء والباحثين إلى الوصول بطرق يسيرة لأقوال العلماء والأئمة في مسائل التوحيد، مع اختصار الوقت والجهد في البحث عنها في أُمَّات الكتب، وذلك يخدم الباحث في العَزْوِ لأهل العلم وكتبهم.
وحاولت التزام ذكرَ المراجع كي يتسنَّى لمن أراد التفصيل العثور على مراجع المسائل.
فتجد تحت كل باب مراجع رُمز لها بعلامة نجمة (*) أذكر بعدها كتب السلف من الأصول المتقدمة والكتب المتأخرة، والتزمتُ بذكر مكان المسألة في الشروح المشهورة على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن ذلك: تيسير العزيز الحميد، فتح المجيد، حاشية ابن قاسم، القول المفيد، ثم فتاوى اللجنة، وفتاوى الشيخ ابن باز، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين ﵏ جميعًا -، وأغلب المسائل المذكورة والتقسيمات الموجودة اعتمدتُ فيها على الكتب والمراجع المكتوبة في حاشية كل باب، وربما نقلتُ من هذه المراجع بالنص أو استفدت من النقل الموجود فيها مع الاكتفاء بالمرجع الأصل، كما استفدتُ من الحواشي أو الشروح
1 / 10
المخطوطة على كتاب التوحيد، وكذلك الكتب التي تناولت كتب التوحيد بالتحقيق، أو المؤلفات المعاصرة والرسائل الجامعية، أو المناهج الدراسية المعدة لهذا الشأن. وإذا طال النقل تصرفت فيه بما يخدم الكتاب مراعاةً للاختصار.
وقد توخَّيْتُ ذكرَ المراجع من الكتب المعتمدة والصافية، ولكن هناك من الكتب ما يُقَرَّرُ فيه مذهبُ الأشاعرة، أو يُوجد في أثنائه خلل في العقيدة فينبغي التنبيه إلى أن الإحالة إلى المراجع لا يعني التسليم بِما فيها والإذعان لها، وإنما يُؤخذ الصواب، ويترك ما عداه.
ولقد استفدتُ كثيرًا من المشايخ والعلماء - حفظهم الله -، سواء في الدروس العلمية والحلقات أو الاستفسار والاتصال، كما استفدت من الشيخ عبد الله بن جبرين ﵀، في فهم بعض العبارات الموهِمَة وبيان الأحكام المجملة.
تنبيه:
ربما وجد الباحثُ أبوابًا يظن أنها لا تَمُتّ إلى توحيد العبادة بصلة، ولكن فيها مباحث ومسائل متعلقة بالتوحيد، فلا تستعجل باللوم حتى في مسائل الباب ومباحثه، لا في عنوانه، ومن ذلك مثلا باب (جزيرة العرب) فقد يظن أن إدراجه غريب في كتاب كهذا، ولكن فيه مسائل توجب ذكره ضمن أبواب هذا الكتاب؛ إذ يتعلق به على سبيل المثال حديث: "إن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب". وحديث: "أخرجوا اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب". وحديث "لا يبقى فيها دينان". فنحتاج لفهم معنى "يئس الشيطان" وأقوال العلماء في ذلك، ونحتاج لتوضيح حكم وجود دين آخر في الجزيرة، وحكم استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة، وهذا لا شك أن له تعلقًا بالتوحيد وأقرب عنوان له هو: جزيرة العرب، ومن ذلك باب (الوقف) إذ هو من المسائل الفقهية، لكن له تعلّق بالتوحيد من جهة حكم الوقف على بناء القبور، والوقف على إيقاد السُّرُج عليها، وما شابه ذلك.
1 / 11
وإذا كان الموضوع يناسبه أكثر من عنوان، فإني أضع جميع العناوين المناسبة، ويكون محل البحث تحت عنوان واحد ومثال ذلك باب (لا إله إلا الله) فإن له عناوين أخرى مثل (كلمة التوحيد) (كلمة الإخلاص) (العروة الوثقى) وما شابه ذلك، فأكتُبُ هذه العناوين في مكانها من المعجم مفردة دون بحث، وأحيلُ على الأصل الذي اخترته لوجود المباحث فيه، وأذكرُ في السطر الذي يلي عنوان الباب الأبواب ذات الصلة.
واعلم - رحمك الله - أن هناك أبوابًا تكاد تكون متصلة مع بعضها صلة وثيقة، فاجعل لكل منها بابًا مستقلًا، أوضِّحُ فيه المعنى وأحيل في المسائل على الباب الأصل المختار، ومثال ذلك (الحُجُب) (الحُرُوز) (الرُّقَى) (التمائم)، فإني أفسِّرُ معانيها وأذكر ما يتعلق بها بشيء من الاختصار، ثم أحيل في المسائل والأدلة على الباب الأصل وحينًا أجعلها كلها في باب واحد لشدة ترابطها مع بعضها، وأجعل لأفرادها عناوين خالية من البحوث وأحيل على الأصل ومثاله شروط (لا إله إلا الله).
وقد حاولتُ جاهدًا أن استقصي جميع المباحث وأن أضع لكل مسألة تفاصيل العلماء وأقوالهم فيها، ولا أدَّعي أنني بلغت الغاية أو قاربتها، لكن جهد مقل أرجو به من الله الرضى والقبول والتوفيق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولقد ساهم في إخراج هذا الكتاب ومراجعته إخوة وأخوات لولا معرفتي لكراهيتهم ذكر أسمائهم لذكرتهم واحدًا واحدًا، فما كان هذا الكتاب ليخرج إلا بفضل من الله ثم بفضلهم. وإن كنا لا نملك ذكر أسمائهم، فإنا ندعو لهم: أن ييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى، وأن يزيدهم هدى، ويجعل لهم من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ويجزيهم عنا خير الجزاء.
وأذكّر إخواني ممن يقرأ هذا الكتاب أو يطلع عليه أن يأخذ بما احتواه الكتاب، وليكن رائده في ذلك البحث عن الحق واتباع الدليل، فإن عثر على خطأ مني
1 / 12
فليصفح عن ذلك وليعاجلني بتنبيه ونصيحة ولا يظننَّ سوءًا بل يقل: زل القلم وسها الكاتب ولا يكن ممن قيل فيه:
فإن رأوا هفوةً طاروا بها فرحًا ... مِنِّي وما علموا من صالحٍ دفنوا
وفي الختام أحمد الله على ما يسر وأشكره على ما مدَّنا به من توفيق وإعانة فله الحمد وله الشكر والثناء أولًا وأخيرًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه:
إبرَاهِيمَ بن سَعد أبا حُسَين
غفر الله له ولوالديه ولإخوته ولجميع المسلمين
ص - ب ٥١٣٦٠ - الرمز ١١٥٤٣
إيميل ism-٠١٢٣@hotmail.com
تويتر @ ismhbr
1 / 13
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١ - لا إله إلا الله*
الإلهُ: فعالِ بمعنى مألوه، وكُلُّ ما اتُّخِذ مَعبودًا إلهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِه (^١).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -: "فـ "الإلهُ" اسمُ صفةٍ لكُلِّ معبودٍ بحقٍّ أو باطل، ثم غُلِب على المعبُود بحقٍ وهو اللهُ تعالى، وهو الذي يخلق ويرزق ويدبِّرُ الأُمُور" (^٢).
فمعنى "الإلهُ" يتضمَّنُ فعلَ الخلقِ والرزقِ والإثابةِ والعقوبةِ، ولهذا انفرد الله
_________
* سبب الابتداء بباب (لا إله إلا الله) لأنها الأصل الذي تدور عليه مسائل هذا الكتاب وأبوابه، وكل الكتاب شرحٌ لهذه الكلمة وتوضيحٌ لها وذكرٌ لأقسامها وتحذيرٌ مما يضادها.
انظر: التمهيد لابن عبد البر ٦/ ٥١، ٦/ ٤٣، ٤٨، ٩/ ٢٤٠، ١٠/ ١٤٩، ٢٣/ ٢٩٦. شَرحُ السُنَّةِ للبَغوي ١/ ٩٢. اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابنِ تَيمِيَّةَ ٢/ ٨٣٣. كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب. تيسير العزيز الحميد ص ٧٥،١٢٣. فتح المجيد ص ٦٥، ١٠٧. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص ٣١، ٥٤. القول المفيد لابن عثيمين ط ١ - ١/ ٥٨، ط ٢ - ١/ ١٥٩ ومن المجموع ٩/ ٥١. القول السديد لابن سعدي المجموعة ٣/ ١٥، ١٦. الدين الخالص لصديق حسن القنوجي ١/ ١٧٩، ١٨٩. معارج القبول ١/ ٣٠٠، ٣٢٠. مجموع الفتاوى لابن باز ١/ ١٩٣. نور على الدرب ص ٤٩ شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ٣/ ٥٦، ٥٧. مجموع الفتاوى لابن عثيمين ١، ٧٧، ٧/ ٣٠، ٣١/ ٣٢. ابن رجب وأثره في توضيح العقيدة للغفيلي ص ٣٢٦، ٣٢٨. الشيخ السعدي وجهوده في توضيح العقيدة للعباد ص ١٥٩ منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني تأليف: محمد إسحاق كندو ص ٩٩٥ وما بعدها. الآثار الواردة في سير أعلام النبلاء د/ جمال بن أحمد ١/ ١٦٢. جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ص ١٥٢. وانظر كتاب (الشهادتان) للشيخ عبد الله بن جبرين، وكتاب إلا إله إلا الله معناها ومكانتها) للشيخ صالح الفوزان. و(تيسير الإله بشرح أدلة شروط لا إله إلا الله) للجابري.
(^١) القاموس المحيط مادة "أ ل هـ".
(^٢) مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس، ص ١٠٦.
1 / 14
تعالى باستحقاق العبادةِ وحده؛ لأنَّه المنفردُ بهذه الأفعالِ والصفاتِ.
فالإلهُ: هو المعبودُ المطاعُ الذي تألههُ القلوب، أي: تتجهُ لهُ وتقصدُه وتخضعُ له وتتعلقُ به خشيةً وإنابةً ومحبةً وخوفًا وتوكلًا عليه وإخلاصًا ﵎.
قال ابن عَبَّاسٍ ﵄: "الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين" (^١).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله تعالى -: "وقد دخل في الإلهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تألُّه القلب لله بالحب والخضوع والانقياد له وحده لا شريك له، فيجب إفرادُ الله تعالى بها، كالدعاءِ والخوفِ المحبةِ، والتوكلِ والإنابةِ، والتوبةِ، والذبحِ، والنذرِ، والسجودِ، وجميعِ أنواعِ العبادةِ فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئًا مما لا يصلح إلا لله من العباداتِ لغيرِ لله، فهُوَ مُشرِكٌ ولو نطق بـ "لا إله إلا الله"، إذ يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص" (^٢).
فـ "لا إله إلا الله" معناها: لا معبود حقٌّ إلا الله، وغير الله إن عبد فباطل (^٣).
* الدليل من الكتاب: قال الله تعالى: ﴿بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج:٦٢] وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد:١٩]، وقال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر:٥٤] وقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران ١٨]، وقال الله تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر:٣،٢]، وقال تعالى:
_________
(^١) أخرجه ابن جرير في جامع البيان ١/ ٢٢ وابن أبي حاتم انظر الدر المنثور ١/ ٢٣.
(^٢) تيسير العزيز الحميد ص ٧٥.
(^٣) انظر للاستزادة فتح المجيد ص ٦٥ - ٦٩.
1 / 15
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١١] ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر:١٤]، وقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:٢٥٦]. وقال ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥].
* الدليل من السنة: عَنْ عُثْمَانَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ انهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الْجَنةَ" (^١)، وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال في الشهادتين: "لا يلقَى الله بهما عبدٌ غيرَ شاكٍّ فيهما إلا دخلَ الجنةَ" (^٢).
وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله ﷺ: "اذهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" (^٣).
وعَنْ عُبَادَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ (^٤) أَلْقَاهَا (^٥) إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّة حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ" (^٦).
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَمَعِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي: "فَقَالَ
_________
(^١) أخرجه مسلم (٢٦).
(^٢) أخرجه مسلم (٢٧).
(^٣) أخرجه مسلم (٣٠).
(^٤) قال في التيسير ص ٨٤: إنما سُمِّي ﵇ كلمة الله لصدوره بكلمة "كن" بلا أب ا. هـ.
(^٥) قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٤٣٠): خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبرائيل ﵇ إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأمر ربه ﷿، فكان عيسى بإذن الله ﷿. ا. هـ
(^٦) أخرجه البخاري (٣٤٣٥) ومسلم (٢٨) واللفظ للبخاري.
1 / 16
أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ إِنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" (^١).
وعَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ أَخبرنَا مَنْ شَهِدَ مُعَاذًا حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَقُولُ: اكْشِفُوا عَنِّي سَجْفَ الْقُبَّةِ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله ﷺ قَالَ مَرَّةً: أُخْبرُكُمْ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله ﷺ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُحَدَّثَكُمُوهُ إِلا أَنْ تَتَّكِلُوا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ يَقِينًا مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ أَوْ دَخَلَ الْجَنّةَ" وَقَالَ مَرَّةً: "دَخَلَ الْجَنّةَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ" (^٢).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَسْعَدُ الناس بشفاعتك يوم الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْألُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ" (^٣). وهو معنى قوله ﷺ في حديث عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "فَإِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ الله" (^٤).
١ - "لا إله إلا الله " أول واجب على المكلف:
قال العلامة عبد العزيز الرشيد صاحب أحكام وفوائد في التنبيهات السنية: "هذه الكلمة هي أول واجب وأعظم واجب على الإطلاق كما في الصحيح من حديث ابن عَبَّاسٍ أن النبي ﷺ قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "فليكن أول ما
_________
(^١) أخرجه الإمام أحمد (١٩٨٢٦). والطبراني في الكبير كما في مجمع االزوائد (١/ ١٦) وإسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين.
(^٢) أخرجه الإمام أحمد (٢٢١٤٠) وابن حبان (٢٠٠).
(^٣) أخرجه البخاري (٩٩)، (٦٥٧).
(^٤) أخرجه البخاري (٤٢٥)، (١١٨٦) ومسلم (٣٣).
1 / 17
تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله"، وفي رواية: "إلى أن يعبدوا الله"؛ فدل على أن التوحيد هو أول واجب على العباد، خلافًا لمن زعم أن أول واجب معرفة الله بالنظر أو القصد إلى النظر أو الشك كما هي أقوال لأهل الكلام المذموم، فإن معرفة الله فطرية فطر الله عليها عباده، قال تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: ١٠] أي: أفي وجوده شك، فإن الفِطَر شاهدة بوجوده مجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة كما قال ﷺ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه"" (^١).
٢ - تفسيرات باطلة لـ "لا إله إلا الله":
وإذا تبين أن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا تفسير أهل السنة؛ فينبغي التنبيه إلى أنها قد فُسّرت بتفسيرات باطلة، منها:
١ - أن معنى لا إله إلا الله أي لا موجود إلا الله، وهذا تفسير أهل الاتحاد (^٢).
٢ - أن معناها: أي لا معبود موجود إلا الله، وهذا باطل لأنه يلزم منه أن كل معبود عُبِد بحق أو باطل هو الله (^٣).
٣ - أن معناها: أي لا خالق (^٤) إلا الله، أو لا رب إلا الله، ولو كان المعنى كذلك لما حصل نزاع بين النبي ﷺ وكفار قريش، ولما حصل نزاع بين الرسل وأممهم؛ لأن الأمم يقرون بأنه لا خالق إلا الله، فليس هذا المعنى فقط هو المراد منها.
_________
(^١) انظر: التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ص ٧.
(^٢) انطر مجموع الفتاوى (٢/ ٢٥٩، ٢٨٧، ٢٨٨)، والشيخ السعدي وجهوده في توضيح العقيدة ص ١٥٩.
(^٣) معارج القبول شرح سلم الأصول (٢/ ٤١٦).
(^٤) وسبب تفسيرهم بـ (لا خالق إلا الله) أن الكلمة (إله) على وزن (فِعَال)، وفِعَال في اللغة تأتي بمعنى (فاعل) وبمعنى (مفعول).
1 / 18
حيث يثبت بها توحيد الربوبية فقط.
٤ - وقيل معناها لا حاكمية إلا لله، وهذا أيضًا جزء من معناها وليس هو المقصود لأنه بهذا المعنى تفسير ناقص لا يكفي.
٥ - ومنها أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، ولا مستغنٍ عمَّا سواه مفتقر إليه كل من عداه إلا الله، وهذا القول منسوب لبعض أئمة المتكلمين قال شيخ الإسلام عمن قال: "إن الإلهية هي القدرة على الاختراع، فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون" (^١) وهذا تفسير لكلمة التوحيد بشيء من أفعال الربوبية وهو وإن دلت عليه كلمة التوحيد بالتضمن فتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، إلا أنه أغفل المعنى المقصود من هذه الكلمة وهو إثبات توحيد الألوهية وأنه لا يستحق العبادة إلا الله.
وإنما معنى هذه الكلمة باتفاق السلف الصالح: أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥].
قال البقاعي: "لا إله إلا الله، أي: انتفى انتفاء عظيمًا أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علمًا إذا كان نافعًا، وإنما يكون نافعا إذا كان الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهلٌ صرف" (^٢).
_________
(^١) التدمرية ١٧٨، ١٨٠، ١٨٥، ١٨٦، وانظر: التنبيهات السنية للرشيد ص ٧.
(^٢) تيسير العزيز الحميد ص ٧٧.
1 / 19
٣ - دلالة "لا إله إلا الله" على التوحيد:
قال عبد العزيز الرشيد في التنبيهات: "وأما دلالتها على التوحيد فإنها دلت على أنواع التوحيد الثلاثة، فدلت على إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه، كما دلت أيضا على توحيد الربوبية، فإن العاجز لا يصلح إلها، ودلت على توحيد الأسماء والصفات فإن مسلوب الأسماء والصفات ليس بشيء بل هو عدمٌ محض كما قال بعض العلماء: المشَبِّه يعبد صنمًا، والمعطِّل يعبد عدمًا، والموحِّد يعبد إلهَ الأرض والسماء.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية ﵀: "وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات وهي الأصول الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وما أُنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر"" (^١).
٤ - إعراب كلمة "لا إله إلا الله":
" لا": نافية للجنس تعمل عمل إن.
"إله": اسم "لا" مبني على الفتح، وخبرها محذوف والتقدير "بحق".
"إلا": أداة استثناء ملغاة.
"الله": لفظ الجلالة مرفوع على البدلية.
٥ - أركان "لا إله إلا الله" (^٢):
لا إله إلا الله لها ركنان:
* الركن الأول: النفي.
* الركن الثاني الإثبات.
_________
(^١) التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ص ٩.
(^٢) انظر: تيسير العزيز الحميد ص ٧٩.
1 / 20
والمراد بالنفي: نفي الإلهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات. فتنفي جميع ما يعبد من دون الله فلا يستحق أن يعبد غيره.
والمراد بالإثبات: إثبات الإلهية لله سبحانه، فهو الإله الحق المستحق للعبادة وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج:٦٢].
فائدة:
قال الشيخ ابن عثيمين ﵀: "جملة "لا إله إلا الله" مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو: "لا إله" وأما الإثبات فهو: إلا الله. و"الله" لفظ الجلالة بدل من خبر لا المحذوف والتقدير: لا إله حق إلا الله وبتقديرنا الخبر بهذه لكلمة: حق؛ يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهو كيف يقال: لا إله إلا الله؛ أن هناك آلهة تُعبد من دون الله، وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدوها آلهة، قال الله ﵎: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود:١٠١]، وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله ﷿ والرسل يقولون لأقوامهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٧٣].
والجواب على هذا الإشكال: يتبين بتقدير الخبر في "لا إله إلا الله" فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة وليس لها من حق الألوهية شيء، يدل لذلك قول تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)﴾ [لقمان: ٣٠].
إذن فمعنى "لا إله إلا الله" لا معبود حق إلا الله ﷿، فأما المعبودات سواه فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقية أي ألوهية باطلة" (^١).
_________
(^١) فتاوى ابن عثيمين ٦/ ٦٧.
1 / 21
٧ - شروط الشهادتين (^١):
جاء عن إياس بن أبي تميمة قال: "شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء على بغله، والفرزدق إلى جنبه على بعير، فقال له الفرزدق: قد استشرفنا الناس، يقولون: خير الناس، وشر الناس، قال: يا أبا فراس، كم من أشعث أغبر ذي طمرين خير مني! وكم من شيخ مشرك أنت خير منه! ما أعددت للموت؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله قال: إن معها شروطًا، فإياك وقذف المحصنة. قال: هل من توبة؟ قال: نعم" (^٢).
وقال ابن رجب: "وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أن لا إله إلا الثد سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك. ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع. وهذا قول الحسن ووهب بن منبه وهو الأظهر" (^٣).
وقد نظم الشيخ حافظ الحكمي الشروط في الأبيات التالية:
وبشروط سبعةٍ قد قُيِّدت ... وفي نصوصِ الوحي حقًا وردت
فإنه لم ينتفع قائلُها ... بالنُطقِ إلا حيث يستكملها
العلمُ واليقينُ والقبولُ ... والانقيادُ فادرِ ما أقولُ
والصدقُ والإخلاصُ والمحبةُ ... وفَّقكَ الله لما أحبَّه (^٤)
ونظمها بعضهم بقوله:
علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقُك ... مع محبةٍ وانقيادٍ والقبول لها (^٥)
_________
(^١) تيسير العزيز الحميد ص ١٤٦. فتح المجيد ص ١١٣. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص ٧١.
(^٢) ينظر: سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٨٤ و١/ ١٦٢.
(^٣) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب ٩، ١٠.
(^٤) وقد شرحها ﵀ في كتابه معارج القبول ٢/ ٤١٨، ٤٣٤.
(^٥) ينظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم، ص ٢٩.
1 / 22
وهذه الشروط مأخوذة بالاستقراء والتتبع للأدلة من الكتاب والسنة، وقد أضاف بعضهم إليها شرطا ثامنًا ونظمه بقوله:
وزيد ثامنُها الكفرانُ منك بما ... سوى الإلهِ من الأندادِ قد أُلِها
وأخذ هذا الشرط الأخير من قوله ﷺ في حديث أبي مالك أبيه: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" (^١).
وذكره الشيخُ عبدُ الرحمن بنُ حسن في قرّةِ عُيونِ الموحِّدين فقل: "إن لا إله إلا الله قد قُيّدت في الكتاب والسنة بقيودٍ فقال منها:
العلم، واليقين، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والقبولُ والانقياد، والكفرُ بما يُعبَدُ من دونِ الله" (^٢).
وذكره الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب في "كتاب التَّوحيدِ" ثمَّ قال بعده: "وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإَنَّه لم يجعل التلفُّظَ بها عاصمًا للدمِ والمالِ، بل ولا معرفةَ معناها مع لفظِها، بل ولا الإقرارَ بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحدَه لا شريكَ له، بل لا يحرمُ مالُه ودمُه حتى يُضيف إلى ذلك الكفرَ بما يُعبَدُ من دون الله، فإن شكَّ أو توقف لم يحرُم مالُه ودمُه" (^٣).
وبعضهم يجعل هذا الشرط ضمن أركان (لا إله إلا الله) وقد تقدم في ذكر الأركان أن (لا إله) يبطل الشرك بجميع أنواعه ويوجب الكفر بكل ما يعبد من دون الله و(إلا الله) يثبت أنه لا يستحق العبادة إلا الله ويوجب العمل بذلك ويدل عليه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:٢٥٦] فقوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ هو معنى الركن الأول (لا
_________
(^١) أخرجه مسلم (٢٣).
(^٢) قرة عيون الموحدين ص ٥٠، وقد مضى بعضٌ من الأدلة في أول الباب.
(^٣) مجموعة التوحيد ص ٤٧، ٤٨.
1 / 23