ورحب بنا الدكتور طه ترحيبا زاد من فرحتي. وبعد لحظات أخذني فيها ذهول الفرح تبينت أنني سلمت دون وعي على الأستاذ الأديب عباس خضر كما سلمت على آخرين لا أذكرهم اليوم.
وقال الدكتور: «لقد أعجبت بروايتك كل الإعجاب.»
فقلت: «إنه شرف لي أن تقرأها، فكيف إذا أعجبت بها؟»
قال هذه الجملة التي أعتبرها أعظم وسام نلته حتى اليوم، وأنا في السابعة والخمسين من عمري، ولكن ما تزال هذه الجملة أعظم وسام نلته مكانه مني القلب لا ظاهر الصدر: «بإخلاص لم يكتب في تاريخ العربية عن الريف المصري مثلما كتبت أنت في روايتك هارب من الأيام.»
وتاهت مني الكلمات، وشرقت بها، ورحت أجمع الحروف لأقول: «أنا لا أتحمل كل هذا يا معالي الباشا.»
وصمت قليلا وبدا أنه يفكر كيف يقول ما يريده دون أن يفهم الجالسون ما وراء جملته، وما لبث أن قال: «أنت أديب، قلت ما تريد أن تقوله عن طريق الرواية.»
وفهمت إشارته فقد كانت الرواية تفضح الطغيان وتدينه بعنف.
وتغير الحديث، ومكثنا بعض الوقت، وجاء الوقت الذي ينبغي فيه أن نستأذن للانصراف، فإذا الدكتور يقول: «سأشدك من أذنك، لا تظن أنك ستقرأ لي مديحا فقط توقع أن أشدك من أذنك.»
فقلت وقد زادت سعادتي: «ستجدني أسعد الناس أن تشد يدك أذني.»
وخرجت، ما هذا الذي حدث؟ إن الحياء يمنعني أن أذكرك من هؤلاء، في تاريخ الأدب الذين كتبوا عن الريف المصري، وسيشد أذني؛ إذن سيكتب عن هارب من الأيام، يكتب عن أول رواية من خلقي؛ فابن عمار لم تكن لتكتب لولا التاريخ أما هارب من الأيام فروايتي الأولى.
অজানা পৃষ্ঠা