مضت إجازة العيد، وسمعنا في أثنائها أن البيان نشر في عدة جرائد عربية منها البيروتية والسياسة الكويتية وغيرها، ثم سمعت أنه نشر بجريدة الأنوار التي يصدرها سعيد فريحة بدعم من مصر. ثم علمت من توفيق بك أنه أرسل البيان إلى لجنة تقصي الحقائق، وفي يوم الجمعة الذي تنتهي به الإجازات ذهبت إلى الأستاذ توفيق في جلسته الأسبوعية بفندق سميراميس، فأخبرني أن مكتب الوزير كلمه قبل أن ينزل ليخبره أن الوزير يريد أن يلقاه في اليوم التالي يوم السبت في الساعة الحادية عشرة، وأن الوزير يريد أيضا الأستاذ نجيب محفوظ كما يريدني، فقلت له إن أحدا لم يطلبني، والأستاذ نجيب محفوظ في الإسكندرية، وذكر لي الأستاذ توفيق أنه سأل السكرتير عمن سيكون موجودا غيرنا في هذا الاجتماع؟ فقال الأستاذ سعيد فريحة صاحب جريدة الأنوار.
وفكر الأستاذ توفيق قليلا، ثم قال: «أنا لن أذهب.» فقلت: «وكيف لا تذهب؟ وماذا أعمل أنا وحدي؟» قال: «أنت حر، ولكن أنا لن أذهب.» فقلت له: «وأنا لن أذهب إذا لم يكن الأستاذ نجيب معي.» فقال: «هذا شأنكما.» فقلت: «أسأل عن الأستاذ نجيب.» وذهبت إلى تليفون الفندق، وطلبت الأستاذ نجيب، فوجدته قد وصل لتوه من الإسكندرية، ووجدت مكتب الوزير قد اتصل به، فقلت له: «توفيق بك لا يريد الذهاب.» فاندهش لهذا، وقال: «دعني أكلمه.» وطلبت إلى توفيق بك أن يكلم نجيب بك، وقد استطاع نجيب أن يقنعه أو خيل لي ذلك على الأقل.
وذهبت إلى منزلي، وقالت لي زوجتي إن بعضهم سأل عني، وقال مكتب النائب، وقال إنه سيعود إلى الكلام في الساعة الثالثة، وقبل أن تكمل حديثها دق جرس التليفون وأبلغت بالموعد.
وقبل أن أتناول الغداء دق جرس التليفون مرة أخرى، وكان المتحدث توفيق بك، ووجدته يخبرني أنه لن يذهب، فهو لا يقبل أن يستدعيه السكرتير، وكأنه موظف عند الوزير، وقال: «لقد كان أبوك وزيري فعلا، وكان يكبرني في السن، ومع ذلك كان يتحرج أن يستدعيني.» وناقشته طويلا قائلا إنني والأستاذ نجيب سنكون في وضع حرج، فقال: «هذا شأنكما. أما أنا فلن أذهب.» فقلت له: «إذن دعني أبلغ الوزير على الأقل أنك عاتب أنه لم يكلمك هو شخصيا، وطبعا سيحاول هو أن يصحح هذا الخطأ، وسيستدعيك شخصيا وتجيء.» فوافق توفيق بك ، واقتنعت أنا بسذاجة أنه قبل هذا الاقتراح.
وفي مساء الجمعة ذهبت إلى نجيب بك في مقهى ريش، وانتحيت به جانبا، وأخبرته عن موقف توفيق بك الجديد، وسألته: «ماذا يرى بشأننا؟» فقال: «نذهب نحن؛ لأنه لا يليق بنا ألا نذهب، وننفذ ما اتفقت عليه مع توفيق بك.»
وفي الموعد المحدد ذهبت إلى مكتب الوزير، فوجدت نجيب بك قد سبقني ودخل ووجدت في مكتب السكرتير الأستاذ سعيد فريحة كما التقيت بالشاعر نزار قباني. ولم أكن أعرف الأستاذ فريحة؛ فقام السكرتير بعملية التعارف.
وحين دخلت مكتب الوزير وجدت الوزير قد علم بعتب توفيق بك، وحاول الاتصال به، فلم يستطع، وحاولت أنا من مكتب الوزير الاتصال به، فلم أستطع، وكلف الوزير سكرتيره أن يكرر المحاولة، وإن كنت قد أدركت أن توفيق قد عملها، ونوى ألا يجيء بأي حال.
وكان في مكتب الوزير مع نجيب بك الدكتور جمال العطيفي وكيل مجلس الشعب، وظننت أن حضوره كان صدفة، ولكن تبين من المناقشة أن حضوره كان مرتبا.
وقبل أن تبدأ المناقشة قال الدكتور حاتم لسكرتيره: «من بالخارج؟» فقال السكرتير: «الأستاذ سعيد فريحة.» فالتفت الوزير إلينا، وقال: «أظن أنه لا بأس أن يحضر معنا فهو منا وعلينا، وكأن الأمر محض صدفة.»
ودخل الأستاذ سعيد فريحة، وسلم علينا مرة أخرى، وجلس وبدأت المناقشة، فقال الوزير: «هل أرسلتم البيان إلى الأنوار؟» فقلت له: «كيف نرسله إلى جرائد لبنانية؟ كان الأحرى لنا أن نرسله إلى الجرائد المصرية إذا كنا نفكر في نشره.» فقال: «فكيف وصل البيان إلى لبنان؟» فقلت له: «هل أرسلنا البيان إليك؟»
অজানা পৃষ্ঠা