أترى أجد الربيع في الحديقة؟ أية حديقة، حديقة من حدائق القاهرة الكثيرة البهيجة المترامية الأطراف، لا ربيع هناك!
ويلي لم أكن فيما مضى من سنوات أبحث عن الربيع بل كان هو من يبحث عني، وكان دائما يجدني، لا، لا ربيع، ومع ذلك فهناك في بيتي ورقة معلقة على الحائط تقول حل الربيع، فأين الربيع؟
ترى ماذا تفعلين الآن يا خدوجة؟ ماذا تراك تفعلين؟ أنت بجوار الراديو كشأنك دائما تتصيدين الأنباء لتذكي بها الرعب في نفسك، وكأن ما بنفسك من رعب لا يكفيك. ألا يكفيك ما فعلت من تشريد زوجك لا يعود إلى البيت أو تنامي، وتشتيت ولديك يجاهد كل منهما أن يترك البيت ما أمكنته الفرصة؟ وأنت أنت تتابعين خروشوف وكنيدي وتتكهنين وترين المستقبل وليس فيه إلا الحرب، رحماك يا رب.
أين أذهب الآن؟ ضاقت بي الطرق، تمنيت أن أجد الربيع في الطريق العام فلم أجد الربيع وفقدت نفسي ولم أجد إلا خوفي، خوفي الذي لا يتركني وكرهي أن أعود إلى البيت، وما لي من سبيل غير العودة إلى البيت.
أتراني أجد أحدا من ولدي قد عاد؟ أتراني أستطيع أن أجلس إلى واحد منهما بعض الوقت، أريد أن أجلس إلى واحد من ولدي، ها هو ذا النور ينبعث من منزلي، إنه نور خافت لا إشراق فيه، نور المصباح الذي تضعه زوجتي على الراديو، إذن فهي وحدها، حسبي الله ونعم الوكيل، لا بد أن أدخل، لقد تعبت قدماي، نعم أعرف أول سؤال ستقوله، أعرفه، أعرفه هل أحضرت جريدة بعد الظهر؟! لا يمكن إلا أن تسأل هذا السؤال، هيه، بسم الله الرحمن الرحيم، ها هي ذي قد سألت سؤالها، هل أحضرت جريدة بعد الظهر؟ يارب، يارب، أنت وحدك من تستطيع إنقاذي من كنيدي وخروشوف، وخدوجة.
ولدي ألا تعود
وماذا يهمني من أمره ما دمت أنت لي ويداك الصغيرتان تعرفان طريقهما إلى وجهي ولسانك المضطرب الصغير يعرف طريقه إلى قلبي.
ولدي، لماذا يا ولدي؟ لماذا، أنت كل شيء في حياتي، وليس في حياتي معنى أعيش له وبه إلا أنت، أنت كذلك منذ عرفتك، ومنذ عرفت أنت الحياة؛ فقد جئت إلي يا بني وأنا أضيق بحياتي مع أبيك؛ فقد تزوجته على غير رغبة مني، أنت تعلم ذلك؛ نعم تعلمه، لقد أخبرتك بقصة زواجي من أبيك، نعم وكنت تضيق بها وأرى ضيقك في عينيك كلما أعدت عليك القصة، ولكن لماذا تضيق؟ ولمن أقول إن لم أقل لك؟ وعلى من أعيد قولي إن لم أعده عليك؟ حملتك تسعة أشهر وحملت عبئك اثنين وعشرين عاما وخمسة أشهر، ألا تحتمل أنت في مقابل هذا الكثير الذي بذلته وأبذله لك أن تستمع إلي أكرر قصة يريحني أن أكررها.
أخبرني بربك، أكنت تضيق بهذه القصة لو كانت ميرفت هي التي ترويها لك وتكرر روايتها، لا أظن. قد رأيتك وهي جالسة أمامك تتحدث - وعلى فكرة - هي لا تجيد الحديث، ورأيتك أنت تستمع لحديثها بعينيك ووجهك وكل ومضة في جبينك، وكل ابتسامة على فمك، لكم كرهت ميرفت وهي ابنة أختي، بل لكم كرهت أختي، لماذا تنال منك ما لا أستطيع أن أنال؟ أنا التي لم أعرف حياتي إلا يوم عرفتك، والتي لا أعرف لحياتي معنى إلا بك؛ فقد تزوجت أباك كما قلت لك وأنا لا أحبه؛ فقد كان أبي يعمل في وزارة المالية وكان يتوق إلى زواجي بأي إنسان. فكان أباك. كان زميلا له في المكتب وقد رقي بعد عامين رئيسا لأبي وقد كان أبي يكبره بسنوات وسنوات، وكانت حجة الحكومة في تعيين أبيك رئيسا لأبي حجة عجيبة تدعو للدهشة؛ فقد قيل يومذاك إن أباك حاصل على الشهادة العالية في حين لم يكن أبي حاصلا إلا على الابتدائية، ولعل هذا كان صحيحا ولكن الحكومة نسيت في ذلك الحين أن الابتدائية التي حصل عليها أهم بكثير من الشهادات العالية مهما تكن عالية. ولكن الحكومة أرادت أن أتزوج من أبيك فجعلته رئيسا له.
وفي يوم اجتمع أبي وأمي ليجهزا لزواج أختي - خالتك - وكان أبي يرى أن الظروف المالية تقتضي أن يقتصر الزواج على الزواج وحده بغير شيء حوله، ولكن أمي وقد كانت قوية الحجة بارعة في التأثير على أبي أصرت على الفرح. وما أقرب الحجة إليها! أول فرح يدخل بيتي، أول ابنة نزوجها، إن لم نفرح بها ولها فبمن نفرح ولمن؟ وتقرر الفرح، وتقرر معه أن نشتري فساتين جديدة لي ولأمي، واشتريت الفستان، كنت أفكر في هذا الفستان كثيرا قبل موعد الفرح، حتى إنني لم أكن محتاجة للبحث حين أخذت أمي ثمن الملابس من أبي. كنت أعرف المكان وأعرف ما أريد، واشتريته. يا ليتك رأيتني يومذاك. لا تقل ميرفت ولا غير ميرفت.
অজানা পৃষ্ঠা