ولم يطل بي الانتظار في بيت أبي فقد جاءت ورقة الطلاق. •••
وقال الزوج: لا أعرف سيدة تملك من الفراء أو الحلي ما كانت تملكه زوجتي، لم أقدم إليها إلا أغلى الأشياء وأثمنها. ولم أر يوما ابتسامة شكر على وجهها، لم ترض عن شيء أهديته إليها، لم أر في عينيها تلك السعادة التي طمعت يوما أن أراها في عينيها، لم يكن ينقصها شيء، ولكنها مع ذلك كانت ساخطة دائما مغضبة دائما، لا ترضى ولا تدع لي فرصة أهنأ فيها بالسعادة التي حاولت أن أخلقها في بيتنا بالمال الوافر الذي بذلت في سبيله دمي وأعصابي.
كان الأصدقاء يدعوننا إلى الحفلات فتعتذر بوعكة، أو تدعي المرض، وحين أعود أجدها قد خرجت مع أصدقاء آخرين، وإذا سألتها أين كنت ثارت وغضبت وراحت تصرخ في وجهي؛ فأسكت أو أذهب إلى أمي في غرفتها حتى تنام زوجتي فأعود إلى غرفتي، وكنت أخشى أن أطلقها فأجني على أولادي، وإن كان هذا التفكير في ذاته يحتاج إلى إمعان؛ فهي لم تكن تهتم بالأولاد ولا تعبأ بهم، بل كنت أنا أراقب سيرهم في الدراسة، وأرعى من أمرهم ما لا ترعاه هي، وإن شغلتني الحياة قامت أمي على شأنهم في حدب يفتقدونه في حضن أمهم فلا يجدونه، إلا أنني - مع ذلك - كنت واثقا أن الأم ضرورة للأولاد لا يطيقون عنها غناء؛ فصبرت طالما ألحت أمي أن أقسو أو أطلق، فكنت أتغاضى عن قولها وأصبر؛ فالطلاق في حياة رجال الأعمال فضيحة، وأنا لا أحب أن يلوك الناس اسمي؛ فقد يؤثر هذا على مصالحي وعلى أولادي.
تكرر منها الاعتذار عن الحفلات التي تدعى إليها، وتكرر اعتذاري أنا أيضا بمرضها، وكنت ألمح على الوجوه التي تسمع الاعتذار شبح ابتسامة لا تبدو حتى تفنى، ولكن بعد أن تترك في نفسي هاجسا قوي الوخز ثم لاحظت أنها تلازم مجموعة معينة في خروجها، ولاحظت أن بين هذه المجموعة رجلا في مثل سنها غير متزوج، ولاحظت أن هذا الرجل بالذات هو الذي يأتي بها إلى البيت، ولا يفارق الجماعة حتى تفارقها هي، وداخلني الشك ولكني أبعدته عن نفسي بحرصي على بيتي وسمعتي وسمعة أولادها، أولادي.
وفي يوم ادعت المرض وخرجت إلى عشاء كنت مدعوا إليه عند «...» باشا، وحين رجعت ذهبت إلى أمي أسألها هل زوجتي بخير فأنبأتني أنها لم تعد إلا منذ دقائق، وقصدت حجرة نومنا فوجدتها في السرير. - أين كنت؟ - هنا. - أمي تقول إنك خرجت. - لم يحصل. - أمي لا تكذب. - وأنا لم أخرج.
ولم أستطع السكوت، فهاجمتها في عنف، وثبت إلى ذهني الابتسامات التي تومض وتختفي، ووثب إلى ذهني ذلك الرجل الذي يلازمها ولا يتركها، فثرت، وتركت لها الحجرة لأنام في حجرة أخرى. وفي الصباح كانت قد غادرت البيت تاركة المجوهرات والفراء. وكانت الابتسامات ما تزال تلح على تفكيري، وكانت صورة صديقها ما زالت ماثلة أمام عيني، فطلقتها. •••
وقالت أم الزوج: لم أر رجلا كان يهتم بزوجته مثل ما كان يهتم ابني بزوجته، ولم أر امرأة تقابل الهدايا الثمينة التي يقدمها إليها زوجها بهذا البرود والتعالي اللذين كانت تقابل بهما زوجة ابني هدايا ابني، ومع ذلك لم يكن ابني يكف عن إحضار الهدايا إليها، ولم تكف هي عن برودها وتعاليها ، ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان، إلا أنها كانت تهمل أولادها، أولاد ابني، فأقوم أنا على شأنهم، وأرعى أمرهم مع أن صحتي لا تحتمل هذا، ولكن ماذا كنت أفعل وأنا أراهم ضائعين، ولا يهتم بهم أحد أو يراقب مأكلهم وملبسهم إلا الخدم. وانتهى بهم وبي الأمر أنني كنت أقرب إليهم من أمهم، يحبونني أكثر من حبهم لها، ويلجئون إلي في مطالبهم، ولا يلجئون إليها، فما كانوا ليجدوها في البيت لو أرادوا اللجوء إليها.
ولو كانت تصاحب زوجها في الدعوات التي يضطره عمله إلى تلبيتها لسكت؛ فإن ابني من رجال الأعمال الكبار، وأصدقاؤه من الأغنياء ذوي الجاه والسلطان، ولكنها مع ذلك لم تكن تأبه بهؤلاء الأصدقاء العظام، بل كانت تخرج دائما مع أصدقاء لها، لا هم في العير ولا في النفير، ومع ذلك لم أكن أتكلم، وكم، وكم جاءني ابني يشكوها إلي فكنت أقول لا عليك يا ابني إنها زوجتك على كل حال وأم أولادك فاحتملها؛ فيسكت - يا عيني يا ابني - ولا يتكلم.
إلا أنني سمعت من صديقاتي أن همسا يدول حول صلة بين زوجة ابني وبين صديق لها في الجماعة التي تخرج معها دائما. وسمعة النساء هي شرفهن وشرف أزواجهن وأولادهن، ماذا أفعل؟ إن كان ما سمعت صحيحا فهي مصيبة، وإن لم يكن صحيحا فإن هذه أمور الكذب فيها كالصدق، والسمعة هي ألسنة الناس، وما دامت الألسنة تتحرك في الأفواه فالفضيحة واقعة، يستوي في ذلك الكذب والصدق، هل أخبر ابني؟ لم أجرؤ فقد أشفقت عليه أن أفعل. أأطلب إليه أن يطلقها؟ سيسألني لماذا وقد كنت تدافعين عنها.
وجاءت من عند ربنا، عاد يوما من عشاء كان مدعوا إليه، ولم تذهب هي بدعوى المرض، وسألني عند عودته عن صحتها، فأخبرته أنها لم تعد إلا منذ قليل، ولم أكن كاذبة، الحمد لله لقد أصبح ابني سعيدا في بيته، ولم يشعر الأولاد بنقص في حياتهم. •••
অজানা পৃষ্ঠা