والذكريات قد ينسى بعضها حين كتابتها ثم يتم تذكرها في لحظة أخرى؛ فالذاكرة تخضع لقوانين التذكر والنسيان، الزيادة والنقصان. وقد يعمها التكرار في سياقات أخرى مثل، العلاقة بالمرأة أو العلاقة بالجامعة. فالذكريات تتشابك أحيانا في سياقات متعددة. وهو ما يفسر عدم التطابق بين الجزء الأول والجزء الثاني في تذكر الحوادث أو نسيانها؛ لذلك تم التردد بين تسمية هذه الذكريات بالجزء الثاني أم الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة؟ ولما كان هناك اختلاف بين الكتابين في التبويب وفي طريقة العرض من الذكريات المرحلية سابقا إلى الذكريات الموضوعية حاليا، وكثرت الإضافات التي اعترى بعضها النسيان في الكتاب الأول؛ حسمت التردد بتسمية هذه الذكريات «الجزء الثاني». وعلى الرغم من عدم دقة هذه التسمية لأنها تعتبر إعادة صياغة لموضوعات ومادة الكتاب الأول إلا أن تسميتها بطبعة جديدة مزيدة ومنقحة، غير دقيقة أيضا لاختلاف أساليب التعبير وطرق السرد. وعيبها أنها تتكرر هنا وهناك كشريط «ذكريات» سينمائي، إلا أن ميزتها الإخراج الجديد. ومع ذلك تتساوى الذكريات الأولى والثانية في نفس العنوان حتى لو كانت بعنوان طبعة ثانية مزيدة أو منقحة أو الجزء الثاني. وربما كان التوفيق بين العنوانين في طبعة جديدة مزيدة ومنقحة يخفف التعارض بين العنوانين؛ جزء أول وجزء ثاني.
وتختصر الذكريات كلها إلى فصل واحد، به من يريدون الدفاع عنه ظنا بأن الذكريات لا تشير إلى وقائع أو أشخاص بعينها، وقول آخر يثير تساؤلا: «هل أنا مثل ما ذكرت أو تذكرت؟» وكأنني أكتب تاريخا، وكأن الذكريات مدح للبعض وذم للبعض الآخر.
وعندما عقدت ندوة لمناقشة «ذكريات» اهتم الجميع بهذا الفصل الواحد،
1
لعله يخرج منه بريئا. أما باقي الفصول بدءا من الطفولة حتى الشيخوخة ومرورا بمراحل الدراسة الأولية والابتدائية والثانوية والجامعة والدراسات العليا في الخارج فلم يتناولها أحد.
وأما صراعي مع الإدارة الجامعية لإيقاف ترقيتي مرتين، بعد أن حكمت اللجنة العليا بترقيتي، فلا وجود له ولا ذكر له.
وكأن مواقفي السياسية من زيارة الرئيس لإسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد، ومعاهدة السلام ليست لها أهمية.
وكأن نقاشي مع الرؤساء ابتداء من عبد الناصر مطالبا بالحرية للشعب، وباستقلال الجامعات ليس له أهمية؛ مما يدل على تحيز القارئ في قراءة النص، وأخذ ما يهمه شخصيا له ولأصدقائه، وترك «هموم الفكر والوطن».
وهذا ما دفعني إلى كتابة جزء ثان من «ذكريات» لعله يقرأ هذه المرة بحياد وتجرد وتناول لكل فصوله الاثني عشر، ودون التركيز على فصل واحد.
فالقارئ هو الذي يؤول نص الكاتب ويكتبه مرة أخرى بقراءته؛ فيصبح النص تأليفا مزدوجا بين الكاتب والقارئ.
অজানা পৃষ্ঠা