2
وكيف أرضى والاحتلال ما زال في فلسطين والحروب الأهلية تمزق الأقطار العربية من أجل التكالب على السلطة؟ وكيف أرضى والبون شاسع بين الأغنياء والفقراء؟ والفساد في كل مكان باسم الإصلاح؟ وعلى من أتوكل؟ على الشرطة والجيش والأمن المركزي أو المخابرات العامة في الداخل أو الغرب في الخارج دون الاعتماد على نفسي؟ وكيف أشكر والصحافة تلهج ألسنتها بالشكر ليل نهار؛ حتى أصبح السلطان هو الرئيس والأب والوزير والأمير والغفير والأخ الكبير ممن يجب شكرهم؟! والصبر عجز مزدوج عن التفكير والفعل، ومخدر حتى لا يثور الناس لنيل حقوقهم.
3
فكل ما يحدث لي وللوطن إنما يحدث بقضاء الله وقدره ولا يجوز إلا الصبر عليه. فأنا لا أريد الخروج من العالم حتى لو كان فناء في الله بل البقاء على الأرض حتى لو كان الثمن باهظا أدى إلى الشهادة. وأخيرا تحول التصوف إلى فرق صوفية ترقص وتغني، تلبس الألوان وتحمل الأعمال، ويعين الرئيس شيخ مشايخ الطرق الصوفية حتى يكونوا بجانبه هم والمؤسسة الدينية بأكملها.
وقد احتاجت العلوم النقلية الخمسة إلى إعادة بناء كعلوم نقلية عقلية، وإدخال بعض العقلانية فيها، وهي العلوم الأكثر تداولا في المعاهد الدينية والكليات الأزهرية، يعتمد عليها خطباء المساجد، ومشايخ القنوات الفضائية، وهي: القرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه. وقد تركت نقلية أي لا يعتمد فيها إلا على «قال الله» و«قال الرسول» دون تحكيم العقل لمدة خمسة عشر قرنا وحتى الآن. ولم يجرؤ أحد على تحويلها على الأقل إلى علوم نقلية عقلية، خاصة وأن الجميع يتساءل عنها. وما أسهل أن تستعمل هذه العلوم في حركة الإصلاح لما في بعضها من إمكانيات للتقدم! فعلوم القرآن مثلا لا تحتاج إلى السؤال عن مصدر القرآن من السماء أم من الأرض، وحي أم شعر؟ بل يكفي الاستعانة بما فيه لحل قضايا الفكر والمجتمع. فإن نجح كان من السماء، وإن لم ينجح كان من الأرض؛ فأسباب النزول تعني أن الأولوية للواقع على الفكر، للسؤال على الجواب. وقد كان الوحي مجموعة إجابات لمجموعة من الأسئلة. فكثير من آيات الأحكام تبدأ بفعل «ويسألونك» عن الخمر والميسر والأنفال والمحيض، فيأتي الجواب. وبالتالي يكون الفكر هو أجوبة عن أسئلة الواقع؛ عن الاحتلال، والاستبداد، والفساد، والتنمية، والفقر، والظلم، والتجزئة، والحروب الأهلية. فماذا تكون الإجابة وليست الأسئلة عن أكل البيض حلال أم حرام، واللحم المعقم «اللانشون»، والنبيذ والبيرة، والسلام باليد على المرأة، والحجاب والنقاب وغطاء الرأس، والاختلاط في الجامعة بين الجنسين، وعمل أكشاك للإفتاء على نواصي الشوارع، بل وإقامة دار للإفتاء وتعيين شيخ بعنوان «مفتي الديار المصرية» يجلس على مكتبه في «دار الإفتاء».
ويعني الناسخ والمنسوخ أن الأحكام تتغير بتغير الزمان، فلكل عصر أحكامه. فإذا ما ثبت الحكم وتغير العصر تجمد الدين، ولما كان الزمن يتغير فوجب تغيير الأحكام طبقا للزمن الجديد.
4
فالأولوية لتغير الزمن على ثبات الحكم، ويعني المكي والمدني، التصور والنظام؛ فالمكي يحتوي على المبادئ العامة للإسلام وتصور الحياة والكون. أما المدني فيعني تحول هذه المبادئ العامة إلى تشريعات اجتماعية يستفيد منها الناس، وتحافظ على مصالحهم، وهو ما عنيته في شبابي بتأسيس منهاج إسلامي عام يقوم على التصور والنظام، والقوة والحركة. كما يعني الاشتباه في اللغة، إمكانية تأويل الحقيقة إلى مجاز، والظاهر إلى مؤول، والمحكم إلى متشابه، والمبين إلى مجمل، والخاص إلى عام.
أما علوم الحديث فقد أبدع القدماء منهجا للسند يفرق بين التواتر والآحاد، بين اليقين والظني. والتواتر له شروط أربعة لكي يكون المتن صحيحا: (1) تعدد الرواة. (2) تساوي انتشار الرواية في الزمان، فلا تختفي في زمن وتكشف في زمن آخر. (3) استقلال الرواة بعضهم عن البعض منعا للتدليس. (4) والإخبار عن محسوس، فإذا نقص السند شرطا من هذه الشروط الأربعة يصبح آحادا. والسؤال هو: هل إذا صح السند صح المتن؟ فقد يكون السند صحيحا والمتن غير صحيح. وقد يكون المتن صحيحا والسند غير صحيح؛ لذلك لزم التحول من نقد السند إلى نقد المتن أيضا.
وعلوم التفسير التي تشرح القرآن، تشرح القرآن لغويا وكلاميا وفلسفيا وصوفيا وفقهيا وأصوليا دونما حاجة إلى ذلك الآن، فنحن لا نحتاج إلى التفاسير طوليا، من سورة الفاتحة حتى سورة الناس، فتقطع الموضوعات وتتكرر، ونحن في حاجة إلى تفسير موضوعي عرضي يجمع الآيات كلها حول موضوع واحد يهم المسلمين مثل: الفقر والغنى، الظلم والعدل، الإصلاح والإفساد، التقدم والتأخر، المحسوسات والغيبيات.
অজানা পৃষ্ঠা