وأما الفرنج، فهم من ولد يافث بن نوح، كان يافث، ولد سبعة من الولد، منهم ريعات. ومنه الفرنج، كما في التوراة. ويقال لهم: فرنسوس. وقاعدة بلادهم أفرنس بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الراء المهملة وسكون النون وبالسين المهملة ويقولون: أفرنك على وزن أفرنس وكأن أفرنس معرب من أفرنك ويقولون: أفرنج والكاف والقاف والجيم تتعاقب في كلام العرب وملكهم، ويقال له: الفرنسيس وبلادهم، بسائط، على عدوة البحر الرومي، وشماله، وجزيرة الأندلس، من ورائهم، في الغرب. تفصل بينهم وبينها، جبال متوعرة، ذات مسالك ضيقة، يسمونها البرث. وسكان تلك الجبال، الجلالقة وهم من شعوب الفرنك وكان الفرنسيس، استولوا من الجزائر الرحرية، علي: صقلية، وقبرص، وأقريطش وجنوة واستولوا علي قطعة من بلادهم من الأندلس، إلى برشلونة. وعلى رومة. وكان الإفرنج أيضا ملكوا إفريقة، ونزلوا أمصارها العظيمة، مثل: سبيلطه، وجلولا، ورباغية، ولميس... وغيرها من الأمصار. وغلبوا من كان بها من البربر، وأدوا إليهم الجباية، وعسكروا معهم، في حروبهم. ولم يكن للروم فيها ولاية وإنما كان، من كان منهم بإفريقية، جندا للفرنج، ومن حشدوهم. وكانوا ملكوا، ما بين طنجة وطرابلس الغرب. ومن الفرنج الملك جرجير الذي قتله العرب، أول دخولهم إفريقية ، سنة 27 من الهجرة. وكان قاعدة ملكه سبيطلة وهي قبلة القيروان، على مسافة يومين. وكان الفرنج بإفريقية، يؤدون إلى هرقل، ملك القسطنطينية، لما كان الروم، أغلب على الأمم المجاورة لهم، من جميع الجهات، إلى أن كان الملك جرجير. فخلع طاعة الروم، وضرب الدراهم والدنانير على صورته. ولما دخل العرب إفريقية. وقتلوا الملك جرجير، صار التغلب للبربر على الفرنج. واجتمع البربر والفرنج، على قتال العرب. وما زالت الحرب سجالا بينهم، إلى سنة أربع وثمانين، فانهزم البربر والفرنج، هزيمة، لم يقع لهم جمع بعدها. فمن كان من الفرنج، قريبا من البحر، ركب إلى الأندلس، وإلى صقلية، وإلى سردانية، من الفرنج. الذي كانا بإفريقية، ومن كان بعيدا من البحر، اختلط مع البربر، وصاروا جملة واحدة وفي جبل أوراس، كثيرا من الفرنج. ومن تأمل الآن، سكان جبل أوراس، فرق بين البربر والفرنج. ثم اشتغل العرب، بحرب الفرنج، في الأندلس والجزائر، أيام عبد الرحمن الداخل الأموي، وبنيه بالأندلس، وعبد الله الشيعي، وبنيه بإفريقية، وملكوا عليهم جزائر البحر الرومي، إلى أن فشلوا، وركدت ريح الدولتين، وضعف ملك العرب، فاسترجعوا ما أخذه العرب. ثم استفحل ملك فرانسا، بعد القياصرة الأولى. وكثرت عندهم العلوم الفلسفية، والمعارف، وتنافسوا في اكتساب الفضائل السياسية، فلم يبق لليونان والروم ذكر، في هذا الزمان. لا سيما في عقد الستين، بعد المائتين والألف. فقد جمعوا علوم جميع الأمم، من العرب والعجم. وتمم الله عليهم النعمة، بسلطنة الملك الشهير العادل، أعلى الملوك الإفرنجية همة، وأبعدهم صيتا وأنداهم يدا، وأطولهم سيفا، نابليون الثالث. فإنه جمع كلمتهم بعد الشتات، وأحياهم، بعد أن كادوا يصيرون، من جملة الأموات. ووصل حبلهم بعد البتات وأنامهم في مهد الأمان، بعد أن كانوا لا يأمنون في بيوتهم، من العدوان وأشاد لهم ذكرا، وإن لم يكونوا خاملين، إذ بعض الذكر، أنبه من البعض، عند العاقلين. وربحوا في يومه، ما لم يربحوه في سنة غيره، من الملوك. فله بذلك، منة عظمة عليهم. ولكن لا يشكر النعمة من الناس، إلا الأكياس.
পৃষ্ঠা ৩২