58

زينب (بصوت تخنقه العبرات) :

لا يا كمال، لا أريد أن تقول شيئا، لا تحاول ذلك لقد انقضى الأمر، حكمت على نفسي بأن أبتعد عنك حتى الممات.

كمال :

لا تحاولي التملص من يدي، لن أتركك تذهبين قبل أن أقول كلمتي، أحببتك يا زينب، أحببتك أعواما وما زلت محتفظا بحبي إلى اليوم.

زينب :

لا تحاول أن تخدعني يا كمال، لم تحب، لكنك شئت أن تعذبني، أردت أن تجرح قلبي وأن تتركه داميا، أردت أن أبكي من أجلك.

كمال :

هذه الفكرة التي تضمرينها نحوي هي التي تعذبني وتقطع نياط قلبي، كنت أعلم أنك على هذا الظن، فكنت لا أملك وسيلة تبدد سحابة هذا الوهم من نفسك، فيا لتلك الآلام يا لتلك اللوعة المضنية! يا لتلك الحسرات والزفرات التي تتملكني كلما شعرت بالعجز أمام ذلك الوهم القائم في ذهنك، دعيني اليوم أعترف لك بدخيلة نفسي، دعيني بالله هذه اللحظة أنثر بين يديك حشاشة قلبي، وأطرح تحت قدميك سري الرهيب لأزيح ذلك الألم الكامن في قرارة نفسي، لقد خفق قلبي من أجلك يا زينب - وأنت بعد صبية صغيرة تمرحين وتلعبين في حديقة منزلنا - لقد كنت أنا أيضا طفلا ناشئا لا يفقه شيئا من حقائق الحياة، كنت صبيا مغرورا يرى السعادة والشهرة والحب بل كل زينة خلابة في الحياة ملك يمينه، كبرت على الصبي أن يقف حياته للصبية الصغيرة التي خفق قلبه من أجلها، غير أن الفضل في بقائي، الفضل في نمو مداركي إنما يرجع إلى تلك الصبية التي نفخت في نفسي أول شعور سماوي. نعم، إلى تلك التي همست في أذني أول نغمة موسيقية من نغمات الحب، أدركت هذه الحقيقة بمرور الشهور والأعوام، لمست هذه الحقيقة بعد أن كبرت، وبعد أن قاسيت كثيرا في الحياة، ستضحكين مني إذا أنا سألتك هل تحبين السماء؛ ذلك لأنها دائما فوق رءوسنا لا تحدثنا الناس بفقدانها، أما إذا فقدناها إذا غابت عنا بشموسها وأقمارها ونجومها فكم تكون اللوعة شديدة؟ ولقد غدوت اليوم كذلك في حبي المقفر من الأمل، لم أعلم قدرك ولم أعلم مقدار حبي لك إلا بعد أن غابت السماء التي كانت تشع أنوار شموسها فوق أرجاء قلبي، لا أنكر أنني سببت لك الدموع والآلام كما تقولين، ولكنك لم تسألي هل أنا اليوم أسعد منك حالا؟

زينب (وهي تبكي) :

لماذا جئتني اليوم تحدثني عن هذه الأشياء التي ما كنت أرجوها وما كنت أحلم بها في يوم من أيامي يا كمال ؟ ما الذي تريده مني؟ لقد تعودت على حياتي الجديدة (تخفض رأسها بحزن)

অজানা পৃষ্ঠা