وهذا تذييل آخر.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمدا لله على نعمائه والصلاة والسلام على خير أنبيائه. يقول العبد الفقير إلى عفور مولاه الكريم إبراهيم بن الحاج علي الأحدب قد رأيت أن أذيل الثمرات بما جنيته من الثمار الدانية والفوائد العالية وبالله التوفيق.
فمن ذلك ما يحكى أن الصاحب بدر الدين وزير اليمن كان له أخ بديع الجمال وكان شديد الحرص عليه فأتى له بشيخ ذي دين وعفة وهيبة وعقل ليعلمه فأسكنه في منزل قريب منه فأقام على ذلك مدة ثم إن الشيخ امتحن بمحبة ذلك الشاب وقوي غرامه فيه فشكا يوما له حاله فقال له ما حيلتي وأنا لا أستطيع مفارقة أخي لا ليلا ولا نهارا أما الليل فإن سريري بجانب سريره وأما النهار فكما ترى تلازمنا فقال الشيخ إن منزلي ملاصق لداركم فيمكن إذا غمضت عين أخيك أن تقوم لتستعمل ماء فتأتي إلى الحائط وأنا أتناولك من وراء الجدار فتجلس عندي لحظة لطيفة من غير
পৃষ্ঠা ২১৭
أن يشعر أخوك بشيء فقال السمع والطاعة وتواعدا على ليلة فهيأ له الشيخ من التحف والظرف ما يليق بمقامه فلما نام الصاحب واستغرق في النوم وأمن انتباهه قام الشاب وتمشى خطوات وفتح باب يتوصل منه إلى الحائط فوجد شيخه واقفا ينتظره فتناوله وصار عنده في المنزل وكان ليلة البدر وتنادما ودارت بينهما كؤوس الشراب ممزوجة ببرد الرضاب وانتشى الشيخ وأخذ في الغناء وقد رمى القمر جرمه عليهما وانتبه الصاحب فلم يجد أخاه فقام فزعا مرعوبا ووجد الباب الذي استطرق منه أخوه مفتوحا فقال من هنا جاء الشر فدخل منه وصعد الحائط فوجد نورا ساطعا من البيت ونظر فرآهما على هذه الحالة والكأس بيد الشيخ وهو ينشد أحسن صوت:
سقاني خمرة من ريق فيه ... وحيا بالعذار وما يليه
وبات معانقا خدا بخد ... غزال في الأنام بلا شبيه
وبات البدر مطلعا علينا ... سلوه لا ينم على أخيه
فكان من لطافة الصاحب أن قال والله لا أنم عليكما وتركهما وانصرف انتهى.
ومن بديع ذلك ما حكاه ابن خلكان في تاريخه في ترجمة شرف الدين المعروف بابن المستوفي قال قد وصل إلى اربل بعض الشعراء وهو الشريف عبد الرحمن بن أبي الحسين بن عيسى بن علي بن يعرب في سنة ثمان وعشرين وستمائة وشرف الدين يومئذ وزير فسير له مثلوما على يد شخص كان في خدمته يقال له الكمال بن الشعار الموصلي صاحب التاريخ والمثلوم عبارة عن دينار يقطع منه قطعة صغيرة وقد
পৃষ্ঠা ২১৮
جرت عادتهم في العراق وتلك البلاد أن يفعلوا هذا لأنهم يتعاملون بالقطع الصغار ويسمونها القراضا ويتعاملون أيضا بالمثلوم وهذا كثير الوجود بأيديهم فجاء الكمال إلى ذلك الشاعر وقال له الصاحب يقول لك أنفق الساعة هذا حتى يجهز لك شيئا فتوهم الشاعر أن الكمال يكون قد قرض القطعة من الدينار وأن شرف الدين ما سيره إلا كاملا وقصد استعلام الحال من جهة شرف الدين فكتب إليه:
يا أيها المولى الوزير ومن به ... في الجود حقا تضرب الأمثال
أرسلت بدر التم عند كماله ... حسنا فوافى العبد وهو هلال
ما غاله النقصان إلا أنه ... بلغ الكمال كذلك الآجال
فأعجب شرف الدين بهذا المعنى وحسن الاتفاق وأجاز الشاعر وأحسن إليه انتهى.
ومنه ما حكي أن إبراهيم بن سهل الأشبيلي كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه حتى أنه مدح النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم وكان يحب يهوديا اسمه موسى وأكثر شعره فيه فلما أسلم أحب شابا اسمه محمد وترك هوى اليهودي فقيل له في ذلك فأنشد:
تركت هوى موسى بحب محمد ... هديت ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن قلى تركي هواه وإنما ... شريعة موسى عطلت بمحمد
وكان إبراهيم هذا شاعرا مجيدا اتفق له في صباه أن الهيثم نظم قصيدة مدح بها المتوكل على الله بن يوسف بن هود ملك الأندلس وقد كانت أعلامه
পৃষ্ঠা ২১৯
سودا لأنه كان بايع الخليفة ببغداد فأرسل إليه بالتولية والألوية والنيابة ولا يعلم أحد من ملوك الأندلس قبله ولا بعده بايع بني العباس قط فوقف إبراهيم بن سهل والهيثم ينشد قصيدته لبعض أصحابه فقال إبراهيم للهيثم زد بين البيت الفلاني والبيت الفلاني:
أعلامه السود إعلام بسؤدده ... كأنهن بخد الملك خيلان
فقال الهيثم أهذا البيت شيء ترويه أم نظمته فقال بل نظمته الساعة فقال الهيثم أن عاش هذا الغلام فسيكون أشعر أهل الأندلس.
ومنه ما اتفق سنة ثمان وستمائة أن الملك المعظم عيسى سار إلى أخيه الملك الأشرف فاستعطفه على أخيه الكامل محمد وكان في نفسه موجدة عليه فأزالها وسارا جميعا نحو الديار المصرية لمعاونة الكامل على الأفرنج الذين قد أخذوا دمياط واستحكم أمرهم هناك من سنة أربع عشرة بعد حروب كثيرة يطول شرحها حتى عرض عليهم في بعضها أن يرد عليهم بيت المقدس وجمع ما كان صلاح الدين فتحه في الساحل ويتركوا دمياط فامتنعوا من ذلك فقدر الله سبحانه وتعالى أن قدمت عليهم مراكب فيها أميرة لهم فأخذتها مراكب المسلمين وأرسلت من أراضي دمياط المياه من كل ناحية فلم يمكن الأفرنج أن يتصرفوا بأنفسهم وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن فعند ذلك أنابوا إلى المصالحة من غير مفاوضة فجاء مقدمهم إلى الملك الكامل وعنده أخواه
পৃষ্ঠা ২২০
المذكوران كانا قائمين بين يديه وكان يوما مشهودا وأمر محمودا فوقع الصلح على ما أراد الكامل محمد وملوك الأفرنج والعساكر كلها واقفة بحضرته ومد سماطا عظيما اجتمع عليه المؤمن والكافر والبر والفاجر فقام المحلي الشاعر وأنشد:
هنيئا فإن السعد راح مخلدا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق فتحا به المنى ... مبينا وإنعاما وعزا مؤيدا
تهلل وجه الأرض بعد قطوبه ... وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغا البحر الخضم بأهله الط ... غاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام بهذا الدين من سل عزمه ... صقيلا كما سل الحسام مجردا
فلم ينج إلا كل شلو مجدل ... ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ... عقيرته في الخافقين مشيدا
أعباد عيسى إن عيسى وقومه ... وموسى جميعا يخدمون محمدا
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة بلغني أنه وقت الإنشاد أشار عند قوله عيسى إلى المعظم وعند قوله موسى إلى الأشرف وعند قوله محمد إلى الكامل وهذا من أحسن الاتفاق انتهى.
ومنه ما حكي عن جمال الدين كاتب سر الملك المعظم عيسى أنه كان بينه وبين السلطان
পৃষ্ঠা ২২১
مداعبة ومنادمة فاتفق أنه حضر في بعض الليالي عنده فلما رجع إلى منزله قالت له زوجته أين إنعام السلطان فقال ما أنعم علي الليلة بشيء فقالت أنا أعوض عنه وقامت إليه هي وجواريها في الحال وتناولته بالخفاف الثقال إلى أن ألانت أعطافه وأدارت في حالة الصفع صلافه فكتب للمعظم رقعة في ذلك منها:
وتخالفت بيض الأكف كأنها الت ... صفيق عند مجالس الأعراس
وتتابعت سود الخفاف كأنها ... وقع المطارق من يدي نحاس
وقال أجب عنها فأجابه بما في آخره:
فاصبر على أخفافهن ولا تكن ... متخلقا إلا بخلق الناس
وأعلم إن اختلفت عليك بأنه ... ما في وقوفك ساعة من باس
وضمنه أبو جعفر الأندلسي فقال:
ومورد الوجنات دب عذاره ... فكأنه خط على قرطاس
لما رأيت عذاره مستعجلا ... قد رام يخفي الورد منه بآس
ناديته قف كي أودع ورده ... ما في وقوفك ساعة من باس
ومن البديع ما يحكي أن الشيخ ابن كثير صاحب التاريخ كان له صفة على باب داره يجلس ويطالع فيها استئناسا بالمارة لسآمة الوحدة وإلى جواره جار له رث الثياب وكان إذا رأى الشيخ جالسا على الصفة يجيء ويركب أكتافه فتفوح منه رائحة فيتأذى ويستحي أني يصرفه فاشتد غيظه يوما فقال له:
পৃষ্ঠা ২২২
يا شيخ أما تستحي كلما تراني جالسا تجيء تركب أكتافي وأنت لست تعرف ما أطالعه ولا لك شعور به فلما أخجله بهذا التعنيف قال له يا سيدي الشيخ ما هذا الذي تطالع فيه من العلوم فقال شيء في الأقتباس فقال له أنشدني منه شيئا ففكر ابن كثير ساعة واقتبس في مطالعة الحال وقال:
كيد حسودي وهنا ... ولي سرور وهنا
الحمد لله الذي ... أذهب عنا الحزنا
فلما فرغ من إنشاده قال له هذا الذي أفكرت فيه وتتكثر به أسمع ما أقول فأنشد ارتجالا من غير وقفة:
قلبي إلى الرشد يسير ... وعنده النظم يسير
الحمد لله الذي ... فضلنا على كثير
واعتذر له وقال له إياك أن تزدري بأحد فإن مواهب الله تعالى في الصدور لا في الثياب انتهى.
ومن اللطائف ما حكي أن بعض الملوك حاصر ملكا وأطال في حصاره فلما اشتد به المحاصرة استدعى بوزرائه فقال ما ترون وقد تأخرت بنا هذه الحال هل نسلمه أم نخرج عليه ليلا ويفعل الله بنا ما يشاء فقال بعض وزرائه قد بدا لي رأي أرى أنهم ينصرفون به عنا من غير قتال فقال ما هو قال يجمع مولاي ما في خزانته من الذهب ويحضره فلما أحضره استدعى بالصياغ وأمرهم أن يصوغوه جميعه سهاما زنة كل سهم قدر معلوم فعملت على الأمر المذكور فكتب الوزير على كل نصل سطرين ثم أمر أن
পৃষ্ঠা ২২৩
تركب السهام فلما ركبت أمر حاشية الملك بأن يأخذ كل واحد سهما وأمرهم أن يرموها عن قوس واحد على العسكر المحتاط بهم فتلألأ لمعان نصالها حتى أدهش العيون فأمر الملك أن تجمع فلما جمعت بين يديه أمر أن يقرأ ما عليها فإذا هو مكتوب:
ومن جوده يرمي العفاة بأسهم ... من الذهب الابريز صيغت نصولها
لينفقها مجروحها في دوائه ... ويشتري الأكفان منها قتيلها
فلما سمع ذلك أمر بالرحيل من ساعته وقال مثل هذا لا يحاصر ولا يقاتل.
ومن ذلك ما يحكي أن الشيخ شمس الدين المعروف بالدجوي رحمه الله تعالى كان يتعشق مليحا فرآه بعد مدة وهو يتوجع من دمل طلع في دبره فسأله فقال دمل في ذلك المحل فضحك الشيخ ضحكا شديدا وقال ما رأيت أعجب من هذا الدمل فقال له الشاب ولم قال الدمامل تطلع في أضيق المواضع وهذا على غير القياس جاء في أوسع المواضع فتبسم الشاب خجلا ومضى انتهى.
لطيفة يحكى أن نقيب الأشراف ببغداد كان يهوى غلاما اسمه صدقة فأخذه ابن المنير الطرابلسي يوما وأضافه وجلس في طبقة له فذهب إليهم على خفية وقال:
يا من هم في الطبقة ... هل عندكم من شفقة
لسائل متيم ... يطلب منكم صدقة
فأجابه ابن المنير ارتجالا في الحال بقوله:
يا من أتانا سرقة ... بمهجة محترقة
جدك يا ذا لم يجز ... أخذك منا صدقة
পৃষ্ঠা ২২৪
ومن المستعذب ما يحكى عن الفضل قال دخلت على الرشيد وبين يديه طبق ورد وعنده جاريته مارية وكانت تحسن الشعر والأدب مع الحسن والجمال فقال يا فضل قل في هذا الورد فأنشده بديها:
كأنها فم محبوب يقبله ... فم الحبيب وقد أبدى به خجلا
فقال الرشيد ما تقولين يا مارية فأنشدته:
كأنه لون خدي حين تدفعني ... كف الرشيد لأمر يوجب الغسلا
فقال الرشيد قم يا فضل فقد هيجتني هذه الماجنة فقمت وقد أرخيت الستور.
ومن الغايات التي لا تدرك ما حكاه الشريف المقري في شرح بديعته أن صائغا نصرانيا اسمه نجم صاغ خاتما لبعض أولاد وزراء بيت المقدس وكان اسمه يحيى فنقش عليه نجم عشق يحيى ودفعه له فلما قرأه طاش عقله وامتلأ غيظا وذهب إلى أبيه وقال له اقرأ ما على هذا الخاتم فلما قرأه حصل في نفسه تأثير فأرسل خلفه وعقد مجلسا لدى القاضي وأراد قتله فلما حضر أعلم بذلك فقال ما ذنبي وأنتم تروون عن نبيكم: من قتل ذميا كنت خصمه يوم القيامة فقال له أو تتكلم وخطك يشهد عليك كيف تكتب نجم عشق يحيى فقال والله ما كتبت إلا ما تتبركون به في كتابكم فكتبت نجم عشق يحيى فطرب المجلس لذلك واستحسنوا ذكاءه وأشاروا عليه بالإسلام فهذا من الاتفاق العجيب.
ومثل ذلك قول أبو نواس يهجو خالصة
পৃষ্ঠা ২২৫
جارية الرشيد:
لقد ضاع شعري على بابكم ... كما ضاع در على خالصه
فلما بلغ الرشيد أنكر عليه وهدده فقال لم أقل إلا ضاء واستحسن مواربته وقال بعض من حضر هذا البيت قلعت عينه فأبصر.
حكي عن أبي العيناء أنه قال رأيت جارية مع النخاس وهي تحلف أن لا ترجع لمولاها فسألتها عن ذلك فقالت يا سيدي: أنه يواقعني من قيام ويصلي من قعود ويشتمني بأعراب ويلحن في القرآن ويصوم الخميس والاثنين ويفطر رمضان ويصلي الضحى ويترك الفرض فقلت لا أكثر الله مثله في المسلمين.
وقيل زنى رجل بجارية فأحبلها فقيل له يا عدو الله هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت قال قد بلغني أن العزل مكروه قالوا فما بلغك أن الزنا حرام.
وقيل لأعرابي كان يتعشق قينة ما يضرك لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها قال فمن لي إذ ذاك بلذة الخلسة ولقاء المسارقة وانتظار الموعد.
وحكي أن علية بنت المهدي كانت تهوى غلاما خادما اسمه طل فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكره في شعرها فاطلع الرشيد يوما عليها وهي تقرأ سورة البقرة فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين.
قيل دخلت امرأة على هارون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه فقالت يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وفرحك بما آتاك وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت فقال لها من تكونين أيتها المرأة فقالت من آل برمك ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم وسلبت نوالهم فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم
পৃষ্ঠা ২২৬
أمر الله ونفذ فيهم قدره وأما المال فمردود إليك ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه فقال أتدرون ما قالت المرأة فقالوا ما نراها قالت إلا خيرا قال ما أظنكم فهمتم ذلك أما قولها أقر الله عينك أي أسكنها عن الحركة وإذا أسكنت العين عن الحركة عميت وأما قولها وفرحك بما آتاك فأخذته من قوله تعالى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة وأما قولها وأتم الله سعدك فأخذته من قول الشاعر.
إذا تم أمر بدا نقصه ... ترقب زوالا إذا قيل تم
وأما قولها لقد حكمت فقسطت فأخذته من قوله تعالى وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا فتعجبوا من ذلك.
وحكي أن المأمون ولى عاملا على بلاد وكان يعرف منه الجور في حكمه فأرسل إليه رجلا من أرباب دولته ليمتحنه فلما قدم عليه أظهر أنه قدم في تجارة بنفسه ولم يعلمه أن أمير المؤمنين عنده علم منه فأكرم نزله وأحسن إليه وسأله أن يكتب كتابا إلى أمير المؤمنين المأمون يشكر سيرته عنده ليزداد فيه أمير المؤمنين رغبة فكتب كتابا فيه بعد الثناء على أمير المؤمنين أما بعد الثناء على أمير المؤمنين أما بعد فقد قدمنا على فلان فوجدناه آخذا بالعزم عاملا بالحزم قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته أغنى القاصد وأرضى الوارد وأنزلهم منه منازل الأولاد وأذهب ما بينهم من الضغائن والأحقاد وعمر منهم المساجد الدائرة وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة يعني أن الكل صاروا فقراء لايملكون شيئا من الدنيا يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين أي ليشكو حالهم
পৃষ্ঠা ২২৭
وما نزل بهم فلما جاء الكتاب إلى المأمون عزله عنهم لوقته وولى عليهم غيره.
وحكي أن بعض الملوك طلع يوما إلى أعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاتة فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراءون أحسن منها فالتفتت إلى بعض جواريه فقال لها لمن هذه فقالت يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز قال فنزل الملك وقد خامره حبها وشغف بها فاستدعى بفيروز وقال له خذ هذا الكتاب وأمض به إلى البلد الفلانية وائتني بالجواب فأخذ فيروز الكتاب وتوجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه فلما أصبح ودع أهله وسار طالبا لحاجة الملك ولم يعلم بما قد دبره الملك ثم إنه لما توجه فيروز قام الملك مسرعا وتوجه مختفيا إلى دار فيروز فقرع الباب قرعا خفيفا فقالت امرأة فيروز من بالباب قال أنا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا فقال جئت زائرا فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيرا فقال لها ويحك إنني أنا الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتيني فقالت يا مولاي لقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:
سأترك ماءكم من غير ورد ... وذاك لكثرة الوراد فيه
إذا سقط الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتج الكريم خميص بطن ... ولا يرضى مساهمة السفيه
وما أحسن يا مولاي قول الشاعر:
পৃষ্ঠা ২২৮
قل للذي شفه الغرام بنا ... وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل أبدا ... قد أكل الليث فضلة الذيب
ثم قالت أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه فاستحى الملك من كلامها وخرج وتركها فنسي نعله في الدار هذا ما كان من الملك وأما فيروز فإنه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه فتذكر انه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك في الدار فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله فسكت ولم يبد كلاما وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم عليه بمائة دينار فمضى فيروز إلى زوجته فسلم عليها وقال لها قومي إلى زيارة بيت أبيك قالت وما ذاك قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك قالت حبا وكرامة ثم قامت من ساعتها إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها عدة أشهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها فأتى إليه أخوها وقال له يا فيروز إما أن تخبرنا بسبب غضبك وأما أن تحاكمنا إلى الملك فقال إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقا فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم وكان القاضي إذ ذاك عند الملك جالسا إلى جانبه فقال أخو الصبية أيد الله مولانا قاضي القضاة إني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمره وهدم حيطانه وأخرب ببئره فالتفت
পৃষ্ঠা ২২৯
القاضي إلى فيروز وقال له ما تقول يا غلام فقال فيروز أيها القاضي قد استلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان فقال القاضي هل سلم إليك البستان كما كان قال نعم ولكن أريد منه السبب لرده قال القاضي ما قولك قال والله يا مولاي ما رددت البستان كراهية فيه وإنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني فحرمت دخول البستان إكراما للأسد قال وكان الملك متكئا فاستوى جالسا وقال يا فيروز إرجع إلى بستانك آمنا مطمئنا فوالله أن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثرا ولا التمس منه ورقا ولا تمرا ولا شيئا ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس، والله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره قال فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك.
وحكي أن الحجاج سأل يوما الغضبان بن القبعثري عن مسائل يمتحنه فيها من جملتها أنه قال له: من أكرم الناس قال أفقههم في الدين وأصدقهم لليمين وأبذلهم للمسلمين وأكرمهم للمهانين وأطعمهم للمساكين قال فمن ألأم الناس قال المعطي على الهوان والمقتر على الخوان الكثير الألوان قال فمن شر الناس قال أطولهم جفوة وأدومهم صبوة وأكثرهم خلوة وأشدهم قسوة قال فمن أشجع الناس قال أضربهم بالسيف وأقراهم للضيف وأتركهم للحيف قال فمن أجبن الناس قال المتأخر عن الصفوف المنقبض عن الزحوف المرتعش
পৃষ্ঠা ২৩০
عند الوقوف المحب ظلال السقوف الكاره لضرب السيوف قال فمن أثقل الناس قال المتفنن في الملام الضنين بالسلام المهذار في الكلام المقبب على الطعام قال فمن خير الناس قال أكثرهم إحسانا وأقومهم ميزانا وأدومهم غفرانا قال لله أبوك فكيف يعرف الرجل الغريب أحسيب هو أم غير حسيب قال أصلح الله الأمير إن الرجل الحسيب يدلك أدبه وعقله وشمائله وعزة نفسه وكثرة احتماله وبشاشته وحسن مداراته على أصله فالعاقل البصير بالإحسان يعرف شمائله والنذل الجاهل يجهلها فمثله كمثل الدرة إذا وقعت عند من لايعرفها ازدراها وإذا نظر إليها العقلاء عرفوها وأكرموها فهي عندهم لمعرفتهم بها عظيمة فقال الحجاج لله أبوك فمن العاقل والجاهل قال أصلح الله الأمير العاقل الذي لا يتكلم هذرا ولا ينظر شزرا ولا يضمر غدرا ولا يطلب عذرا والجاهل هو المهذار في كلامه المنان بطعامه الضنين بسلامه المتطاول على إمامه الفاحش على غلامه قال لله أبوك فمن الحازم الكيس قال المقبل على شأنه التارك لما لا يعنيه قال فمن العاجز قال المعجب بآرائه الملتفت إلى ورائه قال هل عندك من النساء خبر قال أصلح الله الأمير إني بشأنهن خبير إن شاء الله إن النساء من أمهات الأولاد بمنزلة الأضلاع إن عدلتها انكسرت ولهن جوهر ولا يصلح إلا على المدارة فمن دارهن انتفع بهن
পৃষ্ঠা ২৩১
وقرت عينه ومن شاورهن كدرن عيشته وتكدرت عليه حياته وتنغصت لذاته فأكرمهن أعفهن وأفخر أحسابهن العفة فإذا زلن عنها فهن أنتن من الجيفة فقال له الحجاج يا غضبان إني موجهك إلى ابن الأشعث وافدا فماذا أنت قائل له قال أصلح الله الأمير أقول ما يرديه ويؤذيه ويضنيه فقال أني أظنك لا تقول له ما قلت وكأني بصوت خلاخلك تجلجل في قصري هذا قال كلا أصلح الله الأمير سأحدد له لساني وأجريه في ميداني فعند ذلك أمره بالمسير إلى كرمان فلما توجه إلى ابن الأشعث وهو على كرامان بعث الحجاج عينا عليه أي جاسوسا وكان يفعل ذلك مع جميع رسله فلما قدم الغضبان على ابن الأشعث قال له أن الحجاج قد هم بخلعك وعزلك فخد حذرك وتغد به قبل أني يتعشى بك فأخذ حذره عند ذلك ثم أمر للغضبان بجائزة سنية وخلع فاخرة فأخذها وانصرف راجعا فأتى إلى رملة كرمان في شدة الحر والقيظ وهي رملة شديدة الرمضاء فضرب قبته فيها وحط على رواحله فبينما هو كذلك إذا بإعرابي من بني بكر ابن وائل قد أقبل على بعير قاصدا نحوه وقد اشتد الحر وحميت الغزالة وقت الظهيرة وقد ظمىء ظمأ شديدا فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال الغضبان هذه سنة وردها فريضة فاز قائلها وخسر تاركها ما حاجتك يا إعرابي قال أصابتني الرمضاء وشدة الحر والظمأ فتيممت قبتك أرجو بركتها قال الغضبان
পৃষ্ঠা ২৩২
فهلا تيممت قبة أكبر من هذه وأعظم قال: أيتهن تعني قال قبة الأمير بن الأشعث قال تلك لايوصل إليها قال ان هذه أمنع منها فقال الأعرابي ما أسمك يا عبد الله قال آخذ فقال وما تعطي قال أكره أن يكون لي إسمان قال بالله من أين أنت قال من الأرض قال فأين تريد قال أمشي في مناكبها فقال الأعرابي وهو يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر أتقرض الشعر قال إنما يقرض الشعر الفأر فقال أفتسجع قال إنما تسجع الحمامة فقال يا هذا ائذن لي أن أدخل قبتك قال خلفك أوسع لك فقال قد أحرقتني الشمس قال مالي عليها من سلطان قال الرمضاء أحرقت قدمي قال بل عليها تبرد فقال أني لا أريد طعامك ولا شرابك قال لاتتعرض لما لا تصل إليه ولو طلعت روحك فقال الأعرابي سبحان الله قال نعم من قبل أن تطلع أضراسك فقال الأعرابي ما رأيت رجلا أقسى منك أتيتك مستغيثا فحجبتني وطردتني هلا أدخلتني وطارحتني القريض قال مالي بمحادثتك من حاجة فقال الأعرابي بالله ما أسمك ومن أنت فقال أنا
الغضبان ابن القبعثري فقال اسمان منكران خلقا من غضب قال قف متوكئا على باب قبتي برجلك هذه العوجاء فقال قطعها الله أن لم تكن خيرا من رجلك هذه الشنعاء فقال الغضبان لو كنت حاكما لجرت في حكومتك لأن رجلي في الظل قاعدة ورجلك في الرمضاء قائمة فقال الأعرابي أني لأظنك حروريا قال اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير ويريده فقال أني لا أظن عنصرك فاسدا قال ما أقدرني على إصلاحه فقال الإعرابي لا أرضاك الله ولا حياك ثم ولى وهو يقول: ن ابن القبعثري فقال اسمان منكران خلقا من غضب قال قف متوكئا على باب قبتي برجلك هذه العوجاء فقال قطعها الله أن لم تكن خيرا من رجلك هذه الشنعاء فقال الغضبان لو كنت حاكما لجرت في حكومتك لأن رجلي في الظل قاعدة ورجلك في الرمضاء قائمة فقال الأعرابي أني لأظنك حروريا قال اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير ويريده فقال أني لا أظن عنصرك فاسدا قال ما أقدرني على إصلاحه فقال الإعرابي لا أرضاك الله ولا حياك ثم ولى وهو يقول:
لا بارك الله في قوم تسودهم ... إني أظنك والرحمن شيطانا
أتيت قبته أرجو ضيافته ... فأظهر الشيخ ذو القرنين حرمانا
فلما قدم الغضبان على الحجاج وقد بلغه الجاسوس ما جرى بينه وبين ابن الأشعث وبين الأعرابي قال له الحجاج يا غضبان كيف وجدت أرض كرمان قال أصلح الله الأمير أرضا يابسة الجيش بها ضعاف هزلاء أن كثروا جاعوا وإن قلوا ضاعوا فقال له الحجاج ألست صاحب الكلمة التي بلغتني إنك قلتها لابن الأشعث تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك فوالله لأحبسنك عن الوساد ولأنزلنك عن الجياد ولأشهرنك في البلاد قال الأمان أيها الأمير فوالله ما ضرت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له فقال له ألم أقل لك كأني بصوت خلاخلك تجلجل في قصري هذا اذهبوا به إلى السجن فذهبوا به فقيد وسجن فمكث ما شاء الله ثم أن الحجاج ابتنى الخضراء بواسط فأعجب بها فقال لمن حوله كيف ترون قبتي هذه وبناءها فقالوا أيها الأمير إنها حصينة
পৃষ্ঠা ২৩৩
مباركة منيعة نضرة بهجة قليل عيبها كثير خيرها قال لم لم تخبروني بنصح قالوا لا يصفها لك إلا الغضبان فبعث إلى الغضبان فأحضره وقال كيف ترى قبتي هذه وبناءها قال أصلح الله الأمير: بنيتها في غير بلدك لا لك ولا لولدك لا تدوم لك ولا يسكنها وارثك ولا تبقى لك وما أنت لها بباق فقال الحجاج قد صدق الغضبان ردوه إلى السجن فلما حملوه قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فقال أنزلوه كررت قال رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين فقال اضربوا به الأرض فلما ضربوا به الأرض قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فقال جروه فأقبلوا يجرونه وهو يقول بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم فقال الحجاج ويلكم اتركوه فقد غلبني دهاء وخبثا ثم عفا عنه وأنعم عليه وخلى سبيله: وقيل بينما كثير عزة مار بالطريق يوما إذا هو بعجوز عمياء على قارعة الطريق تمشي فقال لها تنحي عن الطريق فقالت له ويحك ومن تكون قال أنا كثير عزة قالت قبحك الله وهل مثلك يتنحى له عن الطريق قال ولم قالت: ألست القائل:
وما روضة بالحسن طيبة الثرى ... يمج الندى جنحاتها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهنا ... إذا أوقدت بالمجمر اللدان نارها
ويحك يا هذا لو تبخر بالمجمر اللدن مثلي ومثل أمك لطاب ريحها لم لا قلت مثل سيدك أمرىء القيس.
وكنت إذا ما جئت بالليل طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فقطعته ولم يرد جوابا.
وحكى عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، قال خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام فبينما أنا في الطريق إذا أنا بسواد على الطريق فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقالت سلام قولا من رب رحيم قال فقلت لها رحمك الله ما تصنعين في هذا المكان قالت ومن يضلل الله فلا هادي له فعلمت أنها ضالة عن الطريق فقلت لها أين تريدين قالت " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " فعامت أنها قد قضت حجها وهي تريد بيت المقدس فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ قالت: ثلاث ليال سويا. فقلت ما أرى معك طعاما تأكلين قالت: " هو يطعمني ويسقيني " فقلت: فبأي شيء تتوضئين. قالت: فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا.
পৃষ্ঠা ২৩৪
فقلت لها: إن معي طعام فهل لك في الأكل قالت ثم أتموا الصيام إلى الليل فقلت قد أبيح لنا الإفطار في السفر قالت وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون لم لا تكلميني مثل ما أكلمك قالت: ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد فقلت فمن أي الناس أنت قالت ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فقلت قد أخطأت فاجعليني في حل قالت لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فقلت فهل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة قالت وما تفعلوا من خير يعلمه الله قال فأنخت الناقة قالت قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فغضضت بصري عنها وقلت لها اركبي فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فقلت لها اصبري قالت سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون قال فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح فقالت واقصد في مشيك واغضض من صوتك فجعلت أمشي رويدا رويدا وأترنم بالشعر فقالت فاقرأوا ما تيسر من القرآن فقلت لها لقد أوتيت خيرا كثيرا قالت وما يذكر إلا أولوا الألباب فلما مشيت بها قليلا قلت ألك زوج قالت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم فسكت ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة فقلت لها هذه القافلة فمن لك فيها فقالت المال والبنون زينة الحياة الدنيا فعلمت أن لها أولادا فقلت وما شأنهم في الحج قالت وعلامات وبالنجم هم يهتدون فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت القباب والعمارات فقلت هذه القباب فمن لك فيها قالت واتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم الله موسى تكليما يا يحيى خذ الكتاب بقوة فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد اقبلوا فلما استقر بهم الجلوس قالت فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه فمضى أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يدي فقالت كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية فقلت الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها فقالوا هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن فسبحان القادر على ما يشاء فقلت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قيل إن معن بن زائدة دخل على المنصور فقال له هيه يا معن تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله:
معن بن زائدة الذي زادت به ... شرفا على شرف بنو شيبان
পৃষ্ঠা ২৩৫
فقال كلا يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على قوله:
مازلت يوم الهاشمية معلنا ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند ووسنان
فقال أحسنت والله يا معن وأمر له بالجوائز والخلع.
ووفد ابن أبي محجن على معاوية فقام خطيبا فأحسن فحسده معاوية فقال له أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
قال بل أنا الذي يقول أبي:
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته ... وسائل الناس ما جودي وما خلقي
أعطي الحسام غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلق
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
ويعلم الناس أني من سراتهم ... إذا سما بصر الرعديد بالفرق
فقال له معاوية أحسنت والله يا ابن أبي محجن وأمر له بصلة وجائزة.
وقيل دخل مجنون الطاق يوما إلى الحمام وكان بغير مئزر فرآه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان في الحمام فغمض عينيه فقال له المجنون متى أعماك الله فقال منذ هتك سترك.
ومن ذلك ما يحكى أن الحجاج خرج يوما متنزها فلما فرغ من نزهته انصرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له من أين أيها الشيخ قال من هذه القرية قال كيف ترون عمالكم قال شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم قال فكيف قولك في الحجاج قال ذاك ما ولي العراق شر منه قبحه الله وقبح من استعمله قال أتعرف من أنا قال لا قال أنا الحجاج قال جعلت فدائك أو تعرف من أنا قال لا قال أنا فلان ابن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين قال فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة.
وحكى أبو محمد الحسين بن محمد الصالحي قال كنا حول سرير المعتضد بالله ذات يوم نصف النهار فنام بعد أن أكل فانتبه منزعجا وقال يا خدم فأسرعنا الجواب فقال ويحكم أعينوني بالشط فأول ملاح ترونه منحدرا في سفينة فارغة فاقبضوا عليه وائتوني به ووكلوا بالسفينة من يحفظها فأسرعنا فوجدنا ملاحا في سفينة فجئنا به المعتضد فلما رآه الملاح كاد يتلف فصاح عليه صيحة عظيمة كادت روحه تذهب منها وقال أصدقني يا ملعون عن قضيتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك فتلعثم وقال نعم كنت سحرا في المشرعة الفلانية فنزلت امرأة لم أر مثلها عليها ثياب فاخرة وحلي كثيرة
পৃষ্ঠা ২৩৬