الرسالة الثانية ذم القضاء وتقلد الأحكام
للجلال السيوطي رحمه الله تعالى
1 / 71
١ - الأحاديث الواردة في تقلد القضاء.
٢ - نصيحة الرسول ﷺ لأبي ذر.
٣ - شدة حساب القاضي العدل.
٤ - حكم من قضى بجورٍ أو جهل.
٥ - أول الأمارة ملامة.
٦ - هل القضاة أول من يدعي للحساب.
٧ - رجل يحب أن يحشر مع العلماء.
٨ - فرار السلف الصالح من القضاء.
٩ - أحوال القضاة في بني إسرائيل.
1 / 73
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفي، هذا جزء في الأحاديث الواردة في ذم القضاء وتقلد الأحكام.
الأحاديث الوارد في تقلد القضاء
١١٢ - قال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا ابن نمير عن فضيل بن غزوان، عن محمد الراسبي عن بشير بن عاصم قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عهده فقال: لا حاجة لي فيه إني سمعت رسول الله ﷺ يقول:"إن الولاة يجاء بهم يوم القيامة فيقفون على جسر على شفر جهنم فمن كان مطيعًا تناوله الله بيمينه يُنجيه، ومن عصى الله انخرق به الجسر إلى وادي لجهنم من نار يلتهب التهابًا" (١) فأرسل عمر أبي ذر وسلمان، فقال لأبي ذر: أنت سمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم والله وبعدَ الوادى وادٍ آخر من نار.
_________
(١) حديث ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (١٢/ ٢١٧)، وأبو نعيم وقال رواه عمار بن يحيى عن سلمة بن تميم عن عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن سفيان عن بشر بن عاصم مثله.
قلت: في سنده الراسبي، وفيه لينٌ؟ في التهذيب (٩/ ١٩٥)، والتقريب (٢/ ١١٦)، ولم يدرك ابن عاصم فالإسناد منقطع، والسند الثاني فيه من لم أجده.
* أخرجه الطبراني (١٢١٩) في الكبير (١٢١٩) من طريق سويد بن عبد العزيز ثنا سيار أبو الحكم عن أبي وائل شقيق بن سلمة. فذكره.
قلت: في سنده سويد بن عبد العزيز، صدوقٌ في نفسه، إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه، كما في التقريب (١/ ٣٤٠) وقد تركه أحمد، وكذبه يحيى كما في الميزان (٢/ ٢٤٨). =
1 / 75
قال: وسأل سلمان فكره أن يخبره، فقال عمر: من يأخذها بما فيها؟ فقال أبو ذر: من سلت الله أنفه وعينيه أمرغ خده إلى الأرض.
وقال حدثنا وكيع حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حيان عن الحسن أن النبي
ﷺ استعمل رجلًا فقال: يا رسول الله، خِر لي؟ قال: "اجلس" (٢).
١١٤ - وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن هارون الخضرمي عن أبي بكر أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- استعمل رجلًا فقال: يا أمير المؤمنين أشر علىَّ؟
قال: "اجلس واكتم علىَّ" (٣).
١١٥ - وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي وائل شقيق بن سلمة أن عمر ابن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- استعمل بشر بن عاصم إلى صدقات هوازن فتخلف بشر فلقيه عمر فقال: ما خلفك أما لنا عليك سمع وطاعة؟ قال: بلى
_________
=** قال ابن منده: قد قيل في هذا الحديث عن بشر بن عاصم عن أبيه، ولا يصح فيه عن أبيه. الإصابة (١/ ١٥٧).
... وقد أخرجه البغوي من طريق سويد، وقال: لم يروه عن سيار غير سويد فيما أعلم، وفي حديثه لينٌ. انظر: المصدر السابق.
... قال الحافظ في الإصابة (١/ ١٥٧) وقد تبين بما ذكرنا أن بشر بن عاصم ابن سفيان لا صحبة له، بل هو من أتباع التابعين، وإن بشر بن عاصم الصحابي لم ينسب في الروايات. الصحيحة إلا ما تقدم عن ابن رشدين، فإن كان محفوظًا فهو قرشي، وإلا فهو غير الثقفي، وفي كلام ابن الأثير ما ينافي ذلك، وخطؤه فيه يظهر بالتأمل فيما حررته، والله أعلم.
قلت: وقد ضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (١٨١٠) من زوائد الجامع.
(٢) إسناده مرسل. وهو من أقسام الضعيف.
(٣) إسناده منقطع. وهو من أقسام الضعيف. وفي سنده هارون بن عبد الله الحضرمي، وهو في عداد المجهولين كما في الجرح والتعديل، (٩/ ٩٢)، وفيه انقطاعٌ بين أبي بكر بن عياش، وعمر.
1 / 76
ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من ولى شيئًا من أمور المسلمين أتي به يوم القيامة حتى يقف على جسر جهنم فإن كان محسنًا نجى وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر فهوى به سبعين خريف" (٤).
قال: فخرج عمر كئيبًا حزينًا فلقيه أبو ذر فقال: ما لي أراك كئيبًا حزينًا وقد سمعت بشر بن عاصم يقول من ولى شيئًا من أمور المسلمين جيء به حتى يقف على جسر جهنم فإن كان محسنًا نجى وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر يهوي فيه سبعين خريفًا.
قال أبو ذر: أما سمعت من رسول الله ﷺ؟ قال: لا. قال: أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
من ولى أحدًا من الناس أتي به يوم القيامة حتى يقف على جسر جهنم فإن كان محسنًا نجى وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر يهوي فيه سبعين خريفًا وهي سوداء مظلمة".
فأي الحديثين أوجع قلبك؟
قال: كلاهما أوجع قلبي فمن يأخذها بما فيها؟
قال أبو ذر: من سلت أنفه (٥) وألصق خده بالأرض.
١١٦ - وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر الثريا ولم يل أمر الناس شيئًا" (٦).
_________
(٤) حديث ضعيف. وسبق تخريجه برقم (١) وأزيد هنا أن عبد الرزاق، وأبا سعيد النقاش في كتاب "القضاة" قد أخرجاه من طريق سويد السالفة الذكر.
(٥) سلت أنفه: أجدع.
(٦) حديث حسن. أخرجه الحاكم (٤/ ٩١) من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد ابن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن يزيد بن شريك أن الضحاك بن قيس بعث معه بكسوة إلى مروان بن الحكم، فقال مروان للبواب: انظر من بالباب، قال: أبو هريرة، فأذن له، فقال: يا أبا هريرة حدثنا شيئًا سمعته من رسول الله ﷺ، فذكره.=
1 / 77
١١٧ - وأخرج أحمد وأبو يعلى والبزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "ويل للأمراء، ويل للعرفاء، ويل للأمناء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملًا" (٧).
_________
=قال الحاكم: صحيح الإِسناد، ولم يخرّجاه، وأقره الذهبي.
قال الألباني: إنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في حفظ عاصم، والذهبي نفسه لما ترجمه في "الميزان" وحكى أقوال الأئمة فيه قال:
قلت: هو حسن الحديث. انظر السلسلة الصحيحة (٣٦١).
(٧) حديث حسن. أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٢) وابن حبان (٧/ ٩)، والبغوي (١٠/ ٥٩) في شرح السنة، والبيهقي (١٠/ ٩٧) في سننه من طريق هشام الدستوائي عن عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة به.
ومن هذا الطريق أيضًا أخرجه الحاكم (٤/ ٩١) وعنده "يدلدلون" مكان "يذبذبون"، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
قلت: في إسناده عباد بن أبي علي، وهو مقبول كما في التقريب (١/ ٣٩٣).
* وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٢٠٦٦٠) عن معمر عن صاحبٍ له أن أبا هريرة قال. فذكره موقوفًا.
قلت: إسناده ضعيف، فيه جهالة أحد الرواة.
** وأورده الحافظ (١٣/ ١٦٩) في الفتح، ونسبه لابن خزيمة، وأنه صححه.
... أورده الهيثمي (٥/ ٢٠٠) في مجمع الزوائد من حديث أبي هريرة، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات، ورواه أبو يعلى والبزار.
... له شاهدٌ من حديث عائشة، رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن سعيد البصري، وهو ضعيف، وليث بن أبي سليم مدلسٌ، قاله الهيثمي.
1 / 78
نصيحة الرسول ﷺ لأبي ذر
١١٨ - وأخرج أحمد والحاكم عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم" (٨).
١١٩ - وأخرج الأربعة والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسوال الله ﷺ: "مَنْ جُعِلَ قَاضيًا فكأنما ذُبحَ (٩) بِغيرِ سِكِّينٍ" (١٠).
_________
(٨) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٢٦)، وأبو داود (٢٨٦٨)، والنسائي (٦/ ٢٥٥)، وابن سعد (٤/ ١٧١)، والحاكم (٤/ ٩١)، والبيهقي (٣/ ١٢٩)، (٦/ ٢٨٣)، (١٠/ ٩٥) في السنن الكبرى.
(٩) معنى الحديث: التحذير من طلب القضاء، أما قوله: (ذبح بغير سكين) يحتمل وجهين من التأويل، أحدهما: أن الذبح إنما يكون في ظاهر العُرف، وغالب العادة بالسكين، فعدل به رسول الله ﷺ عن سنن العادة إلى غيرها، ليُعلم أن الذي أراده بهذا القول، إنما هو ما يخاف عليه من هلاك دينه، دون هلاك بدنه.
الوجه الآخر: أن الذبح السريع الذي يقع به إراحة الذبيحة وخلاصًا من طول الألم إنما يكون بالسكين، وإذا ذبح بغير السكين كان خنقًا، وتعذيبًا، فضرب المثل بذلك ليكون أبلغ في الحذر من الوقوع فيه. قاله الخطابي في معالم السنن (٥/ ٢٠٤).
(١٠) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٢/ ٣٦٥) وابن ماجه (٢٣٠٨)، والدارقطني (٤/ ٢٠٧) في سننه، والحاكم (٤/ ٩١) وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي (١٠/ ٩٦) في السنن الكبرى، والذهبي (٨) في الدينار كلهم من طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به.
وسنده حسن، فيه الأخنسي، وهو صدوق.
* وأخرجه أبو داود (٣٥٧١)، والترمذي (١٣٤٠)، والدارقطني (٤/ ٢٠٤) في سننه، والبيهقي (٢٠/ ٩٦) في السنن الكبرى كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو عن سعيد في أبي هريرة.
قلت: فيه متابعة قوية من عمرو بن أبي عمرو، وهو ثقة ربما وهم.
1 / 79
١٢٠ - وأخرج الحاكم عن أبي ذر قال لرسول الله ﷺ: أمرني قال: "إنك ضعيف وإنها أمانة (١١)، وإنها يوم القيامة خزي وندامة" (١٢).
شدة حساب القاضي العدل
١٢١ - وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي بسندٍ جيد عن عائشة سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب، ما يتمنى أن لم يقض بين اثنين في تمرة فقط" (١٣).
_________
=** وأخرجه أحمد (٢/ ٢٣٠) من طريق سعيد بن أبي هند عن سعيد عن أبي هريرة، وسنده صحيح.
... وأخرجه البغوي (١٠/ ٩٢) في شرح السنة من طريق زيد بن أسلم عن سعيد عن أبي هريرة به. وسنده صحيح.
(١١) هذا القول أصل عظيم في اجتناب الولايات، لاسيما لمن كان فيه ضعفٌ عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلًا لها، أو كان أهلًا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة، ويفضحه ويندم على ما فرط.
وأما من كان أهلًا للولاية، وعدم فيها، فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة.
(١٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٢٥)، وابن سعد (٤/ ١/١٧٠)، وابن أبي شيبة (١٢/ ٢١٥)، والحاكم (٤/ ٩٢).
(١٣) حديث ضعيف. أخرجه أحمد (٦/ ٧٥)، والطيالسي (١٥٤٦)، وابن أبي الدنيا (٩٢) في الإشراف، وابن حبان (١٥٦٣)، والطبراني (٢٧٨١) في الأوسط، والبيهقي (١٠/ ٩٨) في سننه الكبرى، انظر الكلام عليه في السلسلة الضعيفة (١١٤٢)، مجمع الزوائد (٤/ ١٩٢).
1 / 80
١٢٢ - وأخرج ابن ماجه والبزار عن ابن مسعود يرفعه قال: "يؤتى بالقاضي يوم القيامة فيوقف على شفير جهنم فإن أمر به وقع يهوي سبعين خريفًا فيها" (١٤).
ولفظ ابن ماجه "أربعين خريفًا" (١٥).
١٢٣ - وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "ما من حاكم يحكم بين الناس إلا حشر وملك يقفاه حتى يقفه على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله فإن قيل له ألقه ألقاه كي يهوي أربعين خريفًا" (١٦).
حكم من قضى بجور أو جهل
١٢٤ - وأخرج أبو يعلى والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات عن عبد الله بن وهب أن عثمان قال لابن عمر: اذهب قاضيًا قال: أو تعفيني
_________
(١٤) حديث ضعيف. أخرجه أحمد (١/ ٤٣٠)، وابن ماجه (٢٣١١)، والدارقطني (٤/ ٢٠٥) في سننه، والطبراني (١٠٣١٣) في الكبير، والبيهقي (١٠/ ٨٩، ٩٧) في سننه من طُرقٍ عن يحيى بن سعيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله به.
في سنده مجالد، ضعفه يحيى بن سعيد، والدارقطني، وقال ابن معين وغيره: لا يحتج به، وقال أحمد: يرفع كثيرًا مما لا يرفعه الناس.
وقد روى الحديث الذهبي (١٠) في الدينار، وقال: مجالد، وإن كان فيه لينٌ فقد حسن الحديث رواية القطان عنه.
(١٥) الخريف: هو الزمان المعروف من فصول السنة، ما بين الصيف والشتاء، ويريد به أربعين سنة، لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة، فإذا انقضى أربعون خريفًا، انقضت أربعون سنة.
(١٦) انظر السابق.
1 / 81
قال: عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت؟ قال: لا تعجل قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذٍ" (١٧).
فإن أعوذ بالله أن أكون قاضيًا، قال وما منعك وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من كان قاضيًا فقضى بجورٍ كان من أهل النار، ومن كان قاضيًا فقضى بجهل كان من أهل النار، ومن كان قاضيًا عالمًا قضى بحق أو بعدلٍ سأل أن ينقلب كفافًا" (١٨).
١٢٥ - وأخرج الطبراني عن نافع قال: لما قتل عثمان جاء عليٌّ إلى ابن عمر فقال: إنك محبوب في الناس فسر إلى الشام.
فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي لرسول الله ﷺ، وللرحم الذي بيننا إلا أعفيتني. فلم يعاوده (١٩).
_________
(١٧) أي لجأ إلى ملجأ، وأي ملجأ، قال ابن العربي: دليلٌ على أن كل من صرح بالاستعاذة بالله لأحدٍ شيءٍ فليجب إليه وليقبل منه، وقد ثبت أن المصطفي ﷺ دخل على امرأةٍ قد نكحها فقالت له: أعوذ بالله منك فقال: "لقد عذت بمعاذٍ، الحقي بأهلك".
(١٨) إسناده ضعيف. أخرجه الترمذي (١٣٣٧) وقال: حديث غريب، وليس إسناده عندي بمتصلٍ، وأحمد (١/ ٦٦)، وابن سعد (٤/ ١/١٠٨)، وابن حبان (٧/ ٢٥٧) في سنده عند الجميع عبد الملك بن أبي جميلة، وهو من المجهولين كما في التقريب (١/ ٥١٨).
* عزاه الهيثمي (٤/ ١٩٣) في مجمع الزوائد إلى الطبراني في "الأوسط"، والبزار.
(١٩) إسناده ضعيف. أخرجه الطبراني (١٣٠٤٧) في الكبير، وقال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس.
قلت: الثابت في ترجمة الرجل أنه صدوقٌ، ولكنه اختلط، ولم يذكر عنه التدليس.
1 / 82
١٢٦ - وأخرج أحمد والطبراني بسندٍ حسنٍ عن حَيَّان الصدائي قال: قال رسول الله ﷺ: "لا خير في الإِمارة لمسلم" (٢٠).
١٢٧ - وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن عائشة سمعت النبي ﷺ يقول: "ويل للأمراء، ويل للعرفاء ويل للأمناء، ليأتين يومٌ علي أحدهم ودَّ أنه يعلق بالنجم، وأنه لم يل عملًا" (٢١).
أول الأمارة ملامة
١٢٨ - وأخرج الطبراني عن معاوية بن أبي سفيان سمعت النبي ﷺ يذكر الإِمارة فقال: "أول الأمارة ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من رحم وعدل".
قال: هكذا وهكذا مثله بيده بالمال ثم سكت ثم قال: "كيف بالعدل مع ذوي القربى؟! " (٢٢).
١٢٩ - وأخرج أيضًا من حديث عوف بن مالك (٢٣) وأبي هريرة (٢٤).
_________
(٢٠) إسناده ضعيف. أخرجه أحمد (٤/ ١٦٩)، و(٤/ ١٨٩)، والطبراني (٣٥٧٥) في الكبير من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عنه حيان به.
وفي سنده ابن لهيعة يرويه عنه غير العبادلة، فهو ضعيف.
(٢١) إسناده ضعيف. رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن سعيد، البصري، وهو ضعيف، انظر مجمع الزوائد (١٥/ ١٩٩).
(٢٢) حديث ضعيف. أخرجه الطبراني (٧١٨٦) في الكبير من طريق إسحاق ابن إبراهيم مولى مزينة عن صفوان بن سليم عن داود بن صالح عن معاوية بن سعيد عن عنبسة بن أبي سفيان به.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٠): فيه إسحاق بن إبراهيم، وهو ضعيف.
(٢٣) مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٠) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الكبير رجال الصحيح.
(٢٤) مجمع الزوائد (٥/ ٢٠١) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.
1 / 83
- وأخرج عن عصمة أن رسول الله ﷺ استعمل رجلًا على الصدقة فقال يا رسول الله اخترلي؟ فقال: "اجلس في بيتك" (٢٥).
١٣٠ - وأخرج أحمد بن أبي أمامة عن النبي ﷺ قال: "ما من رجل يلي عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولًا يوم القيامة يده إلى عنقه يفكه بره أو يوبقه إثمه" (٢٦).
_________
(٢٥) حديث ضعيف جدًا. أخرجه الطبراني (١٧/ ١٧٨) برقم (٤٩٣) من طرق الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن مالك به.
وفي سنده الفضل بن المختار، أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، انظر ترجمته في الميزان (٣/ ٣٥٨).
(٢٦) حديث صحيح. ورد عن عدة من الصحابة كالتالي:
* من حديث أبي أمامة أخرجه أحمد (٥/ ٢٦٧)، والطبراني (٧٧٢٠)، (٧٧٢٤) في الكبير، والدارمي (٢/ ٢٤٠)، والحاكم (٤/ ٨٩) وصححه وأقره الذهبي، والبغوي (١٠/ ٥٩) في شرح السنة، والبيهقي (٣/ ١٢٩) في سننه، (١٠/ ٩٥، ٩٦) في سننه الكبرى من حديث أبي هريرة ﵁.
** ومن حديث سعد بن عبادة، أخرجه أحمد (٥/ ٢٨٤) وسنده ضعيف.
** وله شاهدٌ من حديث عبادة بن الصامت، أخرجه أحمد (٥/ ٣٢٣، ٣٢٧) وإسناده ضعيف.
... وله شاهد من حديث ابن عباس، أخرجه الطبراني (١٢١٦٦) في الكبير، وإسناده ضعيف.
وبمجموع هذه الشواهد، يرتقي الحديث إلى الصحة.
**** معنى الحديث وفائدته:
قوله: "ما من أحد يلي أمر عشرة، أي يجعل أميرًا عليهم، وقوله: "فما فوق ذلك" أي فما زاد على العشرة، وقوله: "يفكه بره أو يوبقه" أي ينجيه عدله، أو يهلكه ظلمه.
وهذا وعيدٌ شديدٌ لكل من ظلم في القضاء، وتحذيرٌ إلى كل أميرٍ لا يلتزم العدل، والسير في الحكم بين الناس بما يرضي الله ﷿.
1 / 84
١٣١ - وأخرج أحمد مثله من حديث عباده بن الصامت وسعد بن عباده بلفظ "إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا لا يفكه من ذلك الغل إلا الله" (٢٧).
١٣٢ - وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ثوبان (٢٨).
١٣٣ - وأخرج الطبراني في الأوسط عن بريدة قال: قال النبي ﷺ: "ما من أمير عشرة إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فإن كان محسنًا فك عنه، وإن كان مسيئًا زيد غلًا إلى غله" (٢٩).
١٣٤ - وأخرج البزار من حديث أبي هريرة مثله (٣٠).
١٣٥ - وأخرج الطبراني بسندٍ رجاله ثقات عن ابن عباس يرفعه: "ما من رجل ولى عشرة إلا أتى الله يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه حتى يقضي
بينه وبينهم" (٣١).
_________
(٢٧) الحديث صحيح. وإسناده ضعيف. أخرجه أحمد (٥/ ٢٨٤) من حديث سعد بن عبادة، وإسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد، من الضعفاء، وفيه مجهول أيضًا.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٢٣، ٣٢٧) من حديث عبادة بن الصامت، وإسناده ضعيف، فيه يزيد السابق، وعيسى بن فائد مجهول، وروايته عن الصحابة مرسلة. ولكن يشهد لهما الطرق السابقة.
(٢٨) حديث صحيح. مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٧) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه مسلمة بن رجاء ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وتشهد له الطرق السابقة.
(٢٩) مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٦ - ٢٠٧) وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، وكلاهما فيه ضعيفٌ ولم يوثق.
قلت: الحديث في الشواهد.
(٣٠) مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٥) وقال: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجال الأول البزار رجال الصحيح.
(٣١) حديث صحيح. أخرجه الطبراني (١٢٦٨٩) في الكبير، ولم يذكر فيه الأعمش السماع، ولكن الحديث في الشواهد.
1 / 85
١٣٦ - وأخرج في الأوسط عنه، قال: قال النبي ﷺ: "من ولى عشرة فحكم بينهم بما أحبوا، أو كرهوا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه؛ فإن كان حكم بما أنزل الله لم يجر في حكمه ولم يرتش أطلقت يمينه" (٣٢).
١٣٧ - وأخرج في الأوسط أيضًا عن أبي الدرداء سمعت النبي ﷺ يقول: "من ولي ثلاثة إلا لقى الله مغلولة يمينه فكه عدله أو غله جوره" (٣٣).
١٣٨ - وأخرج تمام في فوائد وابن عساكر في تاريخه عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: "عج (٣٤) حجر إلى الله تعالى فقال: إلهي وسيدي
عبدتك كذا وكذا، وكذا، ثم جعلتني في أس كنيف؟ قال: أو ما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة" (٣٥).
_________
=قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٦): رواه الطبراني في الأوسط، والكبير، ورجاله ثقات.
(٣٢) فيه من لم أجده. أخرجه الحاكم (٤/ ١٠٣) وقال: سعدان بن الوليد البجلي كوفي قليل الحديث، ولم يخرجا عنه، وأقره الذهبي.
* أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/ ٢٠٦): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه.
(٣٣) حديث موضوع. أخرجه ابن حبان (٧/ ٢٨)، والطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن هشام الغساني وقد كذبه أبو حاتم، وأبو زرعة كما في الميزان (١/ ٧٢ - ٧٣).
(٣٤) عج: يعج عجًا: رفع صوته وصاح.
(٣٥) حديث موضوع. أخرجه تمام الرازي في "الفوائد" (٩٢) مخطوط الظاهرية، ومن طريقه ابن عساكر (١٥/ ٣٢٤/١ - ٢) وقال الرازي: هذا حديث منكر. انظر الرسالة الضعيفة (٦٥٨).
وقال ابن عراق في تنزيه الشريعة (٢/ ٢٣٠ - ٢٣١):
تمام في فوائده من حديث أبي هريرة من طريق أبي معاوية عبد الله بن محمد الغزي المؤدب، قال تمام: هذا حديث منكر، وأيو معاوية الغزي هذا ضعيف، وقال الذهبي في تلخيص الواهيات، وابن حجر في لسان الميزان هذا موضوع.
1 / 86
هل القضاة أول من يدعى للحساب؟
١٣٩ - وأخرج الدينوري في المجالسة عن محمد بن رافع قال: "بلغني أن أول من يدعى للحساب يوم القيامة القضاة" (٣٦).
١٤٠ - وأخرج ابن عساكر عن مكحول قال: "لو خُيرت بين القضاء وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي" (٣٧).
١٤١ - وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طريق عبد الرزاق عن أبيه قال قلت لوهب بن منبه نرى الرؤيا فتخبرنا بها فلا تلبث أن نراها؟! قال: ذهب ذاك عني منذ وليت القضاء.
قال عبد الرازق: حديث به عن معمر فقال: "والحسن بعد ما ولى القضاء لم يجدوا فهمه" (٣٨).
_________
(٣٦) فيه الدينوري راوي الأثر بسنده، وهو أحمد بن مروان المالكي، اتهمه بالوضع الدارقطني، ومَشَّاه غيره كما في الميزان (١/ ١٥٦).
(٣٧) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (٥/ ١٦١) قال: قال الأوزاعي وغيره: عن مكحول: لأن أقدم فتضرب عنقي. فذكره بمثله، وزاد:
ولأن ألِيَ القضاء أحبُّ إليَّ من أن ألِيَ بيت المال.
(٣٨) حديث صحيح. أخرجه أبو نعيم (٤/ ٥٦) في الحلية: حدثنا أبو حامد ابن جبلة ثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ثنا عبد الرزاق. فذكره.
* أورده الذهبي (٤/ ٥٤٨) وقال: روى إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصمد ابن معقل: قيل لوهب. فذكره.
1 / 87
رجل يحب أن يحشر مع العلماء
١٤٢ - وأخرج ابن عساكر عن أبي زُرعة الثقفي قال: "عرض يحيى ابن خالد القضاء على عبد الله بن وهب المصري فكتب إليه: إني لم أكتب العلم أريد أن أحشر في زمرة القضاة، ولكني كتبت العلم أريد أن أحشر به في زمرة العلماء" (٣٩).
١٤٣ - وقال صاحب المغرب: ذكر في المسهب أن الأمر عبد الرحمن استدعى عبد الملك بن حبيب للقضاء، وقد أعياه أمر القضاء فاستعفى وكتب إليه:
خليفة الله أقلني فما ... أصلح والرحمن للحكم
إما غشوم أو ضعيف فما ... ننقمك في الحالين من أمم
وأنت مأخوذ بذنبي وما ... غيري بنفسي مشبه علمي
فاستحسن الخليفة ذلك وقال:
هكذا يكون الناس، لا قوم تضرب وجوه لهم ضرب غرائب الإبل عن الخطط، وهم يتهافتون عليها تهافت الفراس" (٤٠).
_________
(٣٩) أورده الذهبي (٥/ ٢٢٨) مختصرًا في السير.
وأورد الذهبي في المصدر السابق (٥/ ٢٢٧) أن بحشل قال: طلب عباد بن محمد الأمكل عمي -ابن وهب- ليوليه القضاء، فتغيب عمي، فهدم عباد بعض دارنا، فقال الصباحي لعباد: متى طمع هذا الكذا وكذا أن يلي القضاء. فبلغ ذلك عمي، فدعا عليه بالعمى.
قال: فعمى الصباحي بعد جمعة.
(٤٠) انظر: المغرب (١/ ١٤٨).
1 / 88
فرار السلف الصالح من القضاء
١٤٤ - وقال الدينوري في المجالسة: حدثنا أحمد بن عيسى وعلي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب السختياني قال:
لما مات عبد الرحمن بن أذينة، ذكر أبو قلابة للقضاء فهرب حتى أتى اليمامة. قال أيوب: فلقيته بعد ذلك فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر فما سعى أن يسبح حتى يغرق (٤١).
١٤٥ - أخرجه ابن سعد في الطبقات (٤٢).
١٤٦ - وفي كتاب عقلاء المجانين بسنده عن محمد بن يحيى البصري قال: دعا المنصور أبا حنيفة والثوري ومِسْعرًا وشريكًا ليوليهم القضاء، فقال أبو حنيفة: أتحامق فيكم تحميقًا، أما أنا فأحتال فأخلص.
وأما مسعر فيتجاني فيخلص، وأما سفيان فيهرب.
وأما شريك فيقع، فلما دخلوا عليه، قال أبو حنيفة: أنا رجل مولى، ولست من العرب، ولا تكاد العرب ترضى بأن أكون عليهم مولى، ومع ذلك
_________
(٤١) حديث صحيح. أخرجه ابن سعد (٧/ ١٨٣)، وأبو نعيم (٢/ ٢٨٥) في الحلية والفسوى (٢/ ٦٥، ٦٦) في المعرفة والتاريخ، وأورده الذهبي (٤/ ٤٧٠) في السير، وأشار إليه ابن كثير في البداية والنهاية (٥/ ٢٥٩)، وابن حجر في التهذيب (٥/ ٢٢٦).
وقال حماد: سمعت أيوب ذكر أبا قلابة، فقال: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب، إني وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فرارًا، وأشدهم منه فرقًا، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة.
أخرجه ابن سعد (٧/ ١٨٣)، والحلية (٢/ ٢٨٥)، السير (٤/ ٤٧٠).
(٤٢) انظر السابق.
1 / 89
فإني لا أصلح لهذا الأمر، فإن كنت صادقًا في قولي فلا أصلح له، وإن كنت كاذبًا فلا يجوز لك أن تولى كاذبًا دماء المسلمين وفروجهم.
وأما سفيان فأدركه المشخص في طريقه فذهب لحاجته، وانصرف ينتظر فراغه، فبصر سفيان بسفينةٍ فقال للملاح: إن مكنتني من سفينتك، وإلا أذبح بغير سكين تأول قول رسول الله ﷺ: "من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين" (٤٣).
فأخفاه الملاح تحت السارية (٤٤).
وأما مسعر فدخل على المنصور فقال له: هات يدك كيف أنت، وأولادك، ودوابك؟ فقال: أخرجوه فإنه مجنون.
وأما شريك فقال له المنصور: تقلد القضاء. قال: أنا رجل خفيف الدماغ. قال: تقلد وعليك العصيد والنبيذ الشديد حتى يرجح عقلك فتقلد، ْفهجره الثوري، وقال: أمكنك الهرب فلم تهرب (٤٥).
١٤٧ - وفيه أيضًا بسنده عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال: كتب الخليفة إلى عبد الله بن وهب في قضاء مصر، فتجنن نفسه، ولزم بيته، فأطلع عليه راشد بن سعيد، وهو يتوضأ في صحن داره فقال: أبا محمد، ألا تخرج بين الناس فتحكم بينهم بكتاب الله وسنة رسوله، وقد جننت نفسك، ولزمت نفسك بيتك، فرفع إليه رأسه، وقال: إلى هنا انتهي عقلك أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والمرسلين، والقضاة يحشرون مع السلاطين" (٤٦).
_________
(٤٣) سبق تخريجه.
(٤٤) السارية: الأسطوانة، وهي الخشبة التي يعلق عليها قلع المركب.
(٤٥) أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص٥٩ - ٦٠) في عقلاء المجانين، وانظر أثر دخول شريك في القضاء على حفظه في التهذيب (٤/ ٣٣٦).
(٤٦) أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص/٦٠) في عقلاء المجانين.
1 / 90
١٤٨ - وفيه أيضًا بسنده إلى أبي معشر
أن رجلًا آلى بيمين أن لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس، فلما قاسى من بلاء النساء فاستشار تسعًا وتسعين نفسًا، فبقى واحد فخرج على أن يسأل أول من يطرأ عليه، فرأى مجنونًا قد اتخذ قلادة من عظم، وسود وجهه، وركب قصبة، وأخذ رمحه، فسلم عليه وقال: مسألة؟ قال: اسأل ما يعنيك، وإياك وما لا يعنيك، واحذر رمحة هذا الفرس قال: فقلت: مجنون والله، ثم قلت: إني رجل لقيت من النساء بلاء، وآليت أن لا أتزوج حتى أستشير مائة نفس، وأنت تمام المائة، فقال: أعلم أن النساء ثلائة واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة لا لك ولا عليك، فأما التي لك فشابة طرية لم تمس الرجال فهي لك لا عليك، إن رأت خيرًا حمدت، وإن رأت شرًا، قالت: كل الرجال كذا.
وأما التي عليك ولا لك، فامرأة لها ولد من غيرك، فهي التي تسلخ الزوج وتجمع لولدها.
وأما التي لا لك ولا عليك، فامرأة تزوجت زوجًا قبلك إن رأت خيرًا قالت هكذا يجب، وإن رأت شرًا حَنَّتْ لزوجها الأول، قال: فقلت: نشدتك الله ما الذي غير من أمرك ما أرى؟ قال: ألم أشترط عليك أن لا تسأل عما لا يعنيك؟! فأقسمت عليه، فقال: إني طلبت للقضاء فاخترت ما ترى على القضاء (٤٧).
_________
(٤٧) أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص/٦٢) في المصدر السابق.
1 / 91
أحوال القضاة في بني إسرائيل
١٤٩ - وأخرج عبد بن الحكم في فتوح مصر عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم قال:
"كانت القضاة في زمن بني إسرائيل إذا كان لا يأخذه في الله لومة لائم لم يسلط على جسده البلاء، ولا دابة تأكل ثيابه قد يبست عليه لا تبلى، وكان عائد منهم على ذلك، وكانوا في ذلك الزمان يجعل بعضهم على البعض في البيوت، وبعضهم في الصناديق، فآتاه أخ له فقال: ادع به أصلى عليه، فآتاه به فإذا بدابة خرقت الكفن حتى خرجت من أذنه، فأحزنه ذلك، فلما نام لقته روح صاحبه فقالت: يا أخى، رأيت حزنك على الدابة التي خرجت من أذني، تحمد الله لشيء تكرهه، جلس إلىَّ رجلان أحدهما لي فيه هوى، والآخر لا هوى فيه فكان أصغى إليَّ ذى الهوى، ولم يكن أصغى إلى الآخر (٤٨).
١٥٠ - وقال القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق البهلول، أورده ابن النجار في تاريخه.
تركت القضاء لأهل القضاء ... وأقبلت أسعى (٤٩) إلى الآخرهْ
فإن يك فخرًا جليل الثَّنَا ... فقد نِلْتُ منه يدًا فاخِرَهْ
وإن يك وزرًا فأبعد به ... ولا خير في نعمة (٥٠) وازره (٥١)
_________
(٤٨) حديث ضعيف. في سنده عبد الرحمن بن زيد الراوي، وهو من الضعفاء، انظر: الميزان (٢/ ٥٦٤)، والتقريب (١/ ٤٨٠).
(٤٩) في معجم الأدباء "أسمو".
(٥٠) في المصدر السابق "إمرة".
(٥١) أورده ياقوت الحموي (٢/ ١٥٦) في معجم الأدباء، وزاد:
فقيل له: فابذل شيئًا حتى يرد العمل إلى ابنك أبي طالب، فقال: ما كنت لأتحملها حيًا وميتًا.
1 / 92