وقبل الانتقال من هذا المطلب - مطلب السهول - يجدر بنا أن نذكر ما عراها من التغيير والانقلاب، وأفضى بها إلى ما هي عليه الآن، وذلك على أثر الزلازل الناشئة عما في بطن الأرض من الموارج من النيران، وعلى أثر ما يحدث للأرض من حركات خفيفة بطيئة متتابعة على ممر السنين.
أما الزلازل فقد ذكرها كثيرون من المؤرخين الشرقيين القديمين والحديثين ممن كتبوا في سورية، وقد اهتموا بذكر تلك الحوادث، وبالغوا في وصف آثارها مبالغتهم في كل شيء رأوه في سنتهم فوق العادة من قحط وجوع وظهور نجوم ذات أذناب وغير ذلك، وكثيرا ما شغلهم هول المشهد ورعب الأثر واعتقاد أن ذلك ضربة خفية من يد خفية لا تبلغها نفوس العالم الأدنى بمداركها عن استكناه تلك الضربات، وإننا لنرى العالم منهم بالغا منه حب البحث عن الحقائق ما بلغ يقف عند حد واقع الحال، ولا يتعداه إلى التعليل.
وقد رأينا في العددين 7 و8 من مجلة المشرق مقالة للعالم الأب هنري لامنس اليسوعي في «الزلازل في سورية وبيان نواميسها وسيرها» يتبين منها ما كان لهذه الزلازل من الأثر في بعض الأماكن من تلك السهول؛ مما غير بعض الشيء في وضعها، فرأينا أن نلخص منها ما يتعلق بمطلبنا، وإننا لنأسف كما أسف حضرته على ما فات المؤرخين في أوصافهم المسهبة من مراعاة ما تقتضيه الأبحاث العلمية من التحقيق، ولكن لا غرو أن نرى مثل ذلك صادرا عن أبناء بلاد المعجزات؛ بلاد قام فيها حول العقيدة الخالصة سور منيع.
إن ما يصيب الثغور الشامية من الزلازل جار بين خطين متوازيين على قدر معلوم، ثم ينحرفان إلى ملتقى واحد عند حلب بشكل زاوية حادة، فالخط الأول - وهو الغربي - يبتدئ عند مجرى دجلة السفلي بقرب ديار بكر ويجري إلى الرها «أورفة» فمنبج فحلب فأنطاكية، ثم يميل إلى الجنوب فيمر بساحل البحر إلى عسقلان وغزة حيث ينتهي، وبناء عليه فإن هذا الخط يجتاز جميع ساحل لبنان. والخط الثاني - وهو الشرقي - يبتدئ عند عينتاب، وينحدر مستقيما نحو الجنوب، ويقطع الخط الأول عند حلب، ثم يجوز سائرا في وسط وادي العاصي ووهاد بلاد البقاع إلى غور الأردن.
ففي مواقع الخط الأول من البلاد المجاورة للبحر المتوسط وقع على ما رواه أصحاب الآثار عدة من الزلازل في السنين الآتية للمسيح؛ وهي: سنة 131، و360، و333، و340، و387، و444، و458، و529، و543، و560، و580، و589، و713، و775، و853، و859، و1016، و1033، و1063، و1069، و1109، و1129، و1155، و1204، و1212، و1339، و1402، و1546، و1656، و1783، و1796، و1822، و1859، و1872، و1873.
وحدثت عدة زلازل قبل المسيح منها ما أخبر به إسترابون في عرض الكلام على الموقعة التي جرت في سنة 143 قبل المسيح بين أهل عكة والقائد سربيدون؛ إذ قال: «جاشت مياه البحر بين عكة وصور، وامتدت كما في المد، وأغرقت من فر هاربا من جنود سربيدون، ولما حسرت المياه وجد جيشهم على سيف البحر بين الأسماك الهالكة.»
ومن أعظم الزلازل الزلزلة التي حدثت أيام يوستينيان الأول في سنة 345، واشتهر ذكرها في التأريخ، وبقيت آثارها إلى أيامنا هذه دالة على ما حدث في بعض الأماكن من تغيير هيئة الساحل. قال المؤرخ ثاوفان: «إن رأس الشقعة موقعه بين البترون وطرابلس، قذف يومئذ إلى البحر، وصار في مكانه خور واسع، وأصبحت الطريق شمالي هذا الرأس متعذرا سلوكها ، وأصبح الساحل صخورا قائمة فوق وجه الماء قياما عموديا.»
ولا غرو، قال الأب هنري لامنس: «إن حادثا من مثل ما تقدم ذكره حدث فغير شكل الأراضي الساحلية، فانخسفت الأرض في عدة أمكنة وساخت، ولا سيما في قيسارية وصور وصيدا وبيروت وجبيل والبترون، وربما كان ذلك هو السبب المانع من تعيين موقع صور قديما وموقع صيدا كذلك تعيينا محكما بالضبط والدقة، وفي كل هذه المدن يرى عند ركود ماء البحر مآثر جليلة ومبان عظيمة قد غمرتها المياه منذ قرون عديدة، ويشاهد عند مصب نهر الكلب آثار مقالع قديمة وهي اليوم تغمرها مياه البحر.»
هذا، ومن مثل ما أشار إليه الأب لامنس من الآثار الدالة على تغيير السواحل يشاهد كثير كما في الرأس الواقع إلى جهة الجنوب من المحلة المعروفة بخلدة، وكذلك في الأمكنة القريبة من الجية.
وفي الخط الشرقي، حدثت زلازل كثيرة خص الأب منها بالذكر ما حدث في السنين الآتية: 738، و746، و992، و1114، و1138، و1157، و1170، و1302، و1307، و1659، و1666، و1759، و1837، و1854.
অজানা পৃষ্ঠা