قولُ مَن رَدّ هذا الحديث وعارضه بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر: ٧] ...) (^١)
وهذا التقرير هو على تَقْدير التسليم بأن ظاهر الحديث هو ما ظنه. والحقيقة: أن ظاهره لا ينافيه العقل؛ فضلًا عن الدلائل النقلية. والذي ظنه منافيًا لهذا الظاهر، ليس هو مدلوله ولا ظاهره.
بيان ذلك: أنّه قَصَرَ معنى العذاب على العقاب. والصواب: أَنَّ العذاب أَعمّ من العقاب؛ فكل عِقابٍ عذاب، لا العكس. ومما يبرهن على هذه الدَّعوى الدَّلائل التالية:
- تسمية الله تعالى على لسان أيوب ﵇ ما ابْتَلِى به عبدَه عذابًا فقال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)﴾ ص: ٤١ والعذاب هنا بمعنى: الضُرّ في بدنه، وأهله الذي ابتلاه الله به (^٢)، لا على سبيل العقوبة له ﵇؛ وإنما ابتلاءٌ له.
ومن البراهين الدالة على بطلان قصر مفهوم العذاب على العقاب: ما صح عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة ﵁ أنه قال: (السَّفرُ قطعةٌ من العَذَابِ يمنع أَحدكم طعامَه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سَفَرِه فَلْيعجِّل بالرجوع إلى أهله) (^٣) فَسَمَّى النبي ﷺ السَّفر قطعةً من العذاب. ومن المعلوم أنه إنما أراد الألم الحَاصِلَ للمسافر على جهة العِقَاب.
ومن براهين ذلك أيضًا: أن من العقوبات ما يصيب غيرَ المعاقب؛