وعلى أي حال، فقد اشتهر أمر تخلف هؤلاء النفر عن بيعة علي عليه السلام وجاء أن أبا موسى الأشعري التحق بهم فيما بعد واعتزل ودعا أهل الكوفة إلى الاعتزال، وثبطهم عن الالتحاق بجيش أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل(23). وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام هذه الطائفة بقوله « أولئك قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل »(24).
وبهذه الكيفية تشكل حزب القاعدين عن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجاز والعراق، وكان في هؤلاء رجال من خواص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، دفعهم الحسد والبغض لأمير المؤمنين عليه السلام إلى التعامل معه بالمكر والحيلة، يتربصون الفرصة لبلوغ أهدافهم ومنافعهم، وكان لهم بمقاماتهم الدينية ومواقعهم المتميزة دورا في إلقاء الشبهات في أذهان العامة، وفي إضعاف جبهة أمير المؤمنين عليه السلام. وعلى الرغم من أن هؤلاء لم يحاربوا عليا عليه السلام إلا أن سلوكهم معه كان أخطر من المواجهة العلنية، لأنهم سببوا باعتزالهم خلخلة عقائد الناس وأضعفوا إيمانهم بحقانية أهداف أمير المؤمنين عليه السلانم ومواقفه، وكان لمواقف هؤلاء النفر أثرا سلبيا في معركة صفين أيضا، ودورا فاعلا في أضعاف روحية أهل الكوفة وزعزعة عزائمهم. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام عن المغيرة بن شعبة: ألا وإنه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق، ويسعرون نيران الحروب، ويؤازرون الظالمين(25).
وكان اعتزال هذه الطائفة بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.. وكان من الإجراءآت التي طبقها أمير المؤمنين عليه السلام بعد بيعته أنه عزل عمال عثمان وكانوا من بني أمية واستبدل بهم رجالا من الصحابة والتابعين، ويروى أن المغيرة بن شعبة سأل أمير المؤمنين عليه السلام أن يبقي معاوية في ولايته على الشام، وأن يستبقي الزبير على العراق، فقال عليه السلام، ليس يحكمان في سلطاني يوما واحدا لا والله ولو تخطفني السباع والطير(26).
পৃষ্ঠা ৬০