দাওলা ওসমানিয়া
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
জনগুলি
ذلك مثال واحد على فعل المجاملة بأولئك العربان، وأما أمثلة السياسة الخرقاء والظلم فلا يحصرها إحصاء، ودونك مثالا يتناول المسألة من طرفيها.
كانت البقعة المحيطة ببلدة العمارة منذ بضعة عقود من السنين قاعا بلقعا ليس فيها إلا شرذمة من الجند تقيم فيها بين البصرة وبغداد؛ اتقاء لشر القبائل البادية، ولهذا كانت تدعى الأوردوي نسبة إلى نقطتها العسكرية، فهاجت الحمية أحد المتصرفين فما زال يجامل ويشوق بعض الزعماء من بني أسد وبني لام حتى أسكنهم هنالك وخفف عنهم الضرائب؛ فحرثوا الأرض وزرعوها فعمرت وأثمرت، وكانوا كلما زاد اطمئنانهم زادوا عددا وزاد حاصل أرضهم، وتبدل حال ذلك القفر بمدة خمس سنين، ثم عزل ذلك المتصرف وليس في الوقت متسع للتحري عن اسمه وحقه أن يدون بحروف الثناء، فابتلاهم الله بخلف أعماه الطمع وأصماه الجشع فدعا إليه الشيوخ وزجهم في السجن استنزافا للمال؛ فاحتالوا تخلصا من مخالبه الناشبة برقابهم متظاهرين بإخلاص النية وصدق الولاء وطلبوا إليه أن يرفقهم بمن يحمل إليه المال بعد الإفراج عنهم فاطمأن لهم؛ لأن جميع حاصل الزراعة كان لا يزال على بيادره، فقاموا في حنادس الليل وحملوا ذلك الحاصل على أباعرهم وانقلبوا راجعين بخيامهم إلى بداوتهم، وبارت الأرض مدة طويلة إلى أن عادت فسكنتها بعض فصائلهم بمواثيق مغلظة. ومن أجزاء تلك الأرض الآن الكحلة وحدها يقدر حاصل زراعتها سنويا بأربعين ألف ليرة، وهي من جملة ملحقات الأراضي السنية.
وإن لنا من أمثال هذا التبدي بعد ذلك التحضر ما يملأ الصفحات العديدة فنجتزئ - خوف الإطالة - بما تقدم مكتفين بالإشارة إلى أمثاله في عشائر المتفق والدليم إلى ما فوقها من قبائل شمر والعشائر الكردية.
وليس بالأمر اليسير إحصاء تلك القبائل وحصر العدد الذي يمكن استخدامه في الزراعة، ولقد أجهدنا النفس مدة سنوات بمخالطة بعض العشائر، واستقراء أقوال الثقات، وتتبع آثار بعض غزواتهم، واستماع أخبار بعض شيوخهم، وملاحظة سابلتهم في الحواضر؛ فلاح لنا من وراء كل ذلك أن القبائل البادية العربية وحدها في الخطة العراقية وما يليها من بادية الشام حتى أطراف الأناضول، وما يلي العراق إلى نجد، ومنها إلى نجد والحجاز واليمن وبادية عمان وحضرموت لا تقل عن السبعة ملايين.
وإن لدينا في ذلك جداول طويلة لا يتسع لها هذا الموضع يؤخذ منها أن نصف هذا العدد منتشر في الخطة العراقية وبادية الشام في أرض خصبة التربة غزيرة المياه، فإذا أسقطت من هذا النصف نصف مليون وقسمت الباقي ثلثين للعراق وثلثا لسوريا، كان لك مليونا نسمة تضيفها بأسهل الطرق إلى فلاحي العراق، وليس هذا العدد مما يستهان.
ثم إذا علمت ما يكون من ازدياد هذا العدد بانقطاع هذا الجم الغفير عن الغزوات والتعرض لمشاق البداوة إذ حيث لا تفنيهم الحروب تنتابهم الأوبئة والمجاعات في سني انحباس الأمطار وهلاك الماشية ليبس الكلأ وقلة المرعى، وعلمت أن القبائل النائية لا تلبث أن تنضم إليهم بما ترى من فضل البداوة على الحضارة، واعتبرت أيضا أنهم بطبعهم كثيرو النسل؛ ثبت لديك أن البلاد ليست بها حاجة إلى الفلاح الأجنبي إلا ما يؤتى به للتعليم والتدريب، وأن فيها من بنيها ومجاوريها ما يكفيها عند الاقتضاء مئونة ذلك العناء.
ويؤخذ مما تقدم أن جميع القبائل المنتشرة في تلك الأصقاع لا تخرج عن إحدى فئتين: فئة ألفت الزراعة، وفئة أخرى لم تألفها بعد. فأما الذين ألفوا الزراعة فغاية ما يلزم لاستقرارهم في مواضعهم ومثابرتهم على العمل أن تحسن السياسة في معاملتهم، وترتفع عنهم مظالم جباة الأموال، وأن تنشأ لهم مدارس ابتدائية يتناول أبناؤهم فيها ولو شيئا يسيرا من مبادئ القراءة والكتابة في أول الأمر ريثما تعمر البلاد ويصير في الإمكان تعميم التعليم، وإذا خصوا بشيء من منح فلاحي الأراضي السنية كان ذلك غاية ما يتمنون.
وأما الفئة الأخرى التي لم تألف الزراعة فالنظر في أمرها يستلزم اهتماما أعظم وبذل شيء من المال. ولعل الحكومة تحسن صنعا بإقطاع كل فرقة منهم أرضا تتجاوز لهم عن مالها مدة سنين تملكهم في نهايتها جزءا منها بلا ثمن وتخفف عنها جميعها الضرائب مدة أخرى. ولا بد لها أيضا من إمدادهم بآلات الزراعة وماشيتها ولا حاجة بها بادئ بدء إلى بناء البيوت؛ لأن بيوت الشعر التي لديهم تكفيهم سنين عديدة، وخير لهم وللحكومة أن يشرعوا في العمل وهم في بيوتهم هذه؛ لئلا تأخذهم الوحشة إذا انتقلوا دفعة واحدة من الفراغ وبيوت الشعر إلى العمل والبيوت المبنية بالحجر أو الطين، ولا بد أيضا من إمدادهم خلا بذار الزرع وفسائل الغرس بشيء من الحبوب طعاما لهم قبل أن تغل لهم مزروعاتهم كفاية قوتهم.
فإذا توفرت لهم كل هذه الوسائل السهلة المنال، وتيسر لهم بعناية الحكومة من يعلمهم الزراعة، ويدربهم عليها؛ فلا أسهل من ارتياحهم إليها.
أما سقي الأراضي التي يقطعونها فليس بالأمر الصعب حتى في السنين الأولى، فإن في البلاد ترعا كثيرة مردومة وترعا أخرى ضيقة وقصيرة المجال، وأراضي كثيرة في صعيد العراق وأوساطه تكفي بعض المزروعات فيها مياه الأمطار، فإذا أسكن بعضهم في هذه الأراضي الأخيرة اكتفوا، مدة سنين، بماء المطر إلى أن تستكمل أسباب الري، ويعان النازلون على الترع المردومة والترع الضيقة القصيرة على تطهيرها وتوسيعها ومدها على مسافات ، ولقد يحسن أيضا حفر ترع جديدة على مقربة من بعض البلاد الآهلة بالسكان لسهولة إيصال حاصل الزراعة إليها. ولقد رأيت مما تقدم أنهم لا تعلو بينهم صيحة شيوخهم حتى يهبوا إلى العمل هبة رجل واحد، وما أسهل استخراج تلك الصيحة من الشيوخ.
অজানা পৃষ্ঠা