দার্ব ইসকান্দারিয়্যা
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
জনগুলি
وتمكنت من التمادي في هذه اللعبة بعد وفاة «محمد علي الكبير»؛ لأن خلفاءه لم يكن لهم من بعد النظر ما اشتهر به ذلك العبقري الموهوب، وإن كانت ثقته بفرنسا قد دفعته إلى حرب لا يؤمن ضررها ولا يرجى من ورائها خير مضمون.
توفي «محمد علي الكبير» وتوفي أكبر أبنائه «إبراهيم» في حياته، وآل عرش مصر إلى «عباس باشا الأول» ابن الأمير «طوسن بن محمد علي»؛ لأنه كان المرشح الوحيد للولاية بغير مزاحم، ولم يكن محبوبا في الدوائر الأوروبية؛ لمحافظته وإعراضه عن الحضارة الحديثة. فنفر منه القناصل ووقفوا له بالمرصاد وأجمعوا أمرهم على مقاومته، فيما كان يحاوله من نقل وراثة العرش إلى ابنه إلهامي باشا، ثم مات عباس «مخنوقا» في قصره ببنها وفوجئ ولي العهد الشرعي «محمد سعيد » بالخبر وهو في الإسكندرية، فأسرع إلى القاهرة لإعلان ارتقائه إلى العرش قبل إحكام التدبير لإقصائه عنه. ولكنه علم في الطريق أن «الألفي باشا» محافظ القاهرة - وكان من أنصار عباس - قد سبقه إلى بنها وحمل جثة الوالي القتيل في مركبة التشريفة وجلس فيها أمامه، كما كان يجلس والوالي بقيد الحياة، ولم يستغرب النظارة شيئا، ولم يخامرهم الريب في الأمر لأنهم تعودوا أن يشهدوا الوالي من بعيد جالسا في مركبته لا يلتفت يمنة ولا يسرة لتحية الواقفين في الطريق. واتجه «الألفي باشا» توا إلى القلعة حيث تقام مراسيم الولاية، فاتفق مع أمير الجند بها على إيصاد أبوابها في وجه الأمير «محمد سعيد» حتى يحضر «إلهامي» ابن عباس من أوربة، فلما وصل الأمير «محمد سعيد» إلى القاهرة، وجد العلماء أو الأعيان وقناصل الدول في استقباله وتقدم وهم في ركابه إلى ناحية القلعة، وأبلغ القناصل محافظ القاهرة المتمرد أن الدول لن تعترف بولاية تخالف الشروط التي ضمنتها لمصر في معاهدة سنة 1840. وكان قناصل فرنسا وإنجلترا وأمريكا متفقين على هذا البلاغ، فسقط في يد المحافظ وأذعن للأمر الواقع، ولم يصبح الصباح في اليوم التالي حتى كان قد قضى نحبه غما وخوفا من عاقبة ما جناه.
محمد علي باشا.
لم يزل سعيد يذكر هذه اليد للقناصل ولا سيما قنصل فرنسا، وكان معجبا بالثقافة الفرنسية، كثير الاختلاط بالفرنسيين والأجانب على العموم، يجيد الفرنسية ويتكلم الإنجليزية. وفي عهده حصل «فرديناند دلسبس» على امتياز فتح القناة بشروط غاية في الإجحاف والخطر على حقوق مصر والدولة العثمانية. وفي عهده طلب «نابليون الثالث» فرقة سودانية لإخضاع الثائرين في المكسيك، فأجابه إلى طلبه وأنفذ إلى المكسيك فرقة من أبناء السودان ومصر لتحل هناك محل الجنود الفرنسيين الذين فتكت بهم الحمى الصفراء وتبين أنهم لا يحتملون أهوية البلاد وحمايتها كما يحتملها الأفريقيون. وأرادت البيوت المالية في إنجلترا أن تقابل هذا النفوذ الفرنسي بمثله، فعمدت إلى تشجيع الوالي على الاقتراض فأقدم عليه غير هياب لجرائره، ومات وعليه عدة ملايين من الديون الأجنبية يختلفون في مقدارها بين ثلاثة ملايين وأحد عشر مليونا من الجنيهات. وكان «سعيد باشا» يخفي حقيقة هذه الديون؛ لأن شروط الولاية لا تسمح له بعقد القروض الأجنبية، فعقد قروضه وأخفى مقدارها ليحسبها من الديون الخاصة أو الديون التي يضمنها بثروته «الشخصية» ولا يجوز للدولة أن تعترض عليها.
وكان «إسماعيل بن إبراهيم» قد أصبح وارث العرش بعد حادث كفر الزيات الذي سيأتي بيانه في الفصول التالية، فعمل جهده على الموازنة بين النفوذ الأجنبي في بلاده واستخدم الإنجليز كما استخدم الفرنسيين. وعلا شأن الولايات المتحدة في أيامه بعد قهرها لبريطانيا العظمى وظفرها باستقلالها على الرغم من «سيدة البحار» التي لا تغيب الشمس عن أقطارها، فاستدعى إلى مصر نخبة من الضباط الأمريكيين لتدريب جيشه، ولم يكتم عنهم أنه يعتمد عليهم في أمر خطير ويستعد بهم لتحقيق استقلال مصر، فخطبهم قائلا: «إنني معتمد على رزانتكم وإخلاصكم وغيرتكم للحصول على استقلال مصر.»
1
إلا أنه كان حريصا على علاقاته بفرنسا، دائبا على إغرائها بتأييده في طلب الاستقلال وتعليق آمالها بما تناله من وراء هذا التأييد، كما قال في حديثه لمسيو تاستو قنصلها بالإسكندرية حين فاتحه في هذا الشأن (سنة 1864)، فقال: «إني لا أطلب من الحكومة الفرنسية تأييدها المادي أو المالي، بل تأييدها الأدبي يكفي، فلتعمل على منحي الاستقلال وتنكشف لها نياتي بعد ذلك.»
وقال قبل ذلك لمسيو شيفر: «إنني من أسرة محمد علي، وكلنا نذكر ما ندين به لمعاونة فرنسا وما خصتنا به دائما من رعايتها.»
وكان يتوجه بطلب القروض إلى فرنسا ثم تحول إلى البيوت الإنجليزية بعد حرب السبعين وخروج فرنسا منها في حالة كحالة الإفلاس ثروة وسياسة، فتحولت إنجلترا أيضا من الدس له في الآستانة وتحريض الدولة عليه لتورطه في الاستدانة وعقد المعاهدات - إلى الدفاع عنه والوساطة له عند السلطان في توسيع حقوقه وامتيازاته والإصغاء إلى مطالبه، ومنها مطلبه في مسألة وراثة العرش، وهي المسألة التي وقفت منها موقف المقاومة على عهد «عباس باشا الأول»، وما هو إلا أن صدر الأمر السلطاني بتحقيق هذه الرغبة حتى كشفت عن غايتها من المقاومة تارة والمعاونة تارة أخرى، فصرح السير «هنري إليوت» سفيرها في الآستانة: «بأن ما ناله الوالي من الحرية في الإدارة الداخلية لا قيمة له ما لم تكن له الحرية المطلقة في ارتياد الأسواق الأجنبية لجلب الأموال التي لا غنى عنها في إنجاز المشروعات الضرورية لتنمية الثروة المصرية.»
ثم تفاقمت أخطار الديون واستحكمت أزماتها وضاق «إسماعيل» ذرعا بالسيطرة الأجنبية وتقييده بآراء الوزيرين الأجنبيين اللذين اتفقت إنجلترا وفرنسا على تعيينهما في وزارة المالية ووزارة الأشغال، وهما أهم وزارات القطر كله. فاحتضن الحركة الدستورية؛ أملا في نقل الرقابة على خزانة الدولة من الوزير الإنجليزي والوزير الفرنسي إلى مجلس النواب، وألغى أوامره السابقة التي سلم بها مقاليد الوزارة وأبواب الخزانة لصندوق الدين تارة وأيدي الوزيرين الأجنبيين تارة أخرى. فاتفقت إنجلترا وفرنسا معا على طلب عزله، وقبل الباب العالي هذا الطلب؛ لأنه حسب الفرصة سانحة للرجوع في امتيازات مصر بموافقة الدولتين، ولكنهما انقلبتا عليه على الأثر بعد موافقته على العزل، وعلمتا أنه يرشح الأمير «عبد الحليم» لمنصب الخديوية بدلا من الأمير «محمد توفيق بن إسماعيل»، فأبلغتاه أنهما لا تقران هذا الترشيح ولا تعترفان بالخديوية لغير ولي العهد «محمد توفيق». فعدل الباب العالي مكرها عن ترشيحه للأمير «عبد الحليم»، وأراد أن يستدرك في فرمان التولية ما فاته في تعيين خلف إسماعيل، فلم يزل يسوف في إرسال الفرمان حتى تم الاتفاق على انتقاص بعض الحقوق وتقرير بعض القيود، ومنها: حظر زيادة الجيش إلى أكثر من ثمانية عشر ألفا، وتبليغ الباب العالي نصوص المعاهدات التي تبرمها الخديوية المصرية، وحظر النزول عن جزء من أجزاء البلاد المصرية، وحظر القروض المالية، وكانت كلها شروطا موافقة لسياسة الدولتين، وإن ظهر أن بعضها يخالف هذه السياسة، كحظر القروض وحظر التصرف في أجزاء البلاد المصرية؛ فإن القروض كانت في ذلك الحين قد أدت رسالتها، وبلغت غايتها، وكانت «سلامة الأراضي المصرية» حجة تشهرها كل من الدولتين في وجه الأخرى إذا انفردت باحتلال البلاد واقتطاع جزء من أجزائها، فجاء فرمان 1879 ملغيا لفرمان 1873 في هذه المسائل ولم يبق منه على غير امتياز واحد من الامتيازات الهامة التي حصل عليها الخديو إسماعيل، وهو حصر الوراثة في أكبر الأبناء؛ لأن إلغاء هذا الامتياز يفتح الباب لسلاطين آل عثمان في تجديد مسألة الترشيح حينا بعد حين.
অজানা পৃষ্ঠা