158

দার কাউল কাবিহ

درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح

তদারক

أيمن محمود شحادة

প্রকাশক

الدار العربية للموسوعات بيروت

সংস্করণের সংখ্যা

الأولى

জনগুলি

ولو فَرَضنا أنّ واحدًا منّا فى سنتِنا هذه، وهي سنة ثمانٍ وسبعمئةٍ للهجرة المحمّدية، صلّى الله على صاحبها، عَزَم على أن يحجّ في سنة عشرٍ، أو خمس عشرة، أو عشرين وسبعمئةٍ إِلى البيت الحرام، بطريق كذا، ويَنزل يوم كذا في موضع كذا، ونحو ذلك من جزئيّات المسير، وعلِم جزمًا أنّه قادرٌ حينئذٍ على الحجّ، فذلك لا مانع له منه بوجهٍ مِن الوجوه؛ لعَلِمَ الآن قطعًا أنّه يحجّ في تلك السنة، ويَفعل تلك الجزئيّات التى قَدَّرها في نفسه. ولكن إِنما يَمنعنا من ذلك أنّا عاجِزون عن فِعل كلّ ما نُقدِّره في أنفسِنا. وإِذا ثَبَت أنّ هذا هو الطريق في معرفة كيفيّة عِلم الله للغيوب، فلو فَرَضنا أنّ أفعال فرعون مخلوقةٌ له، مع أنّ عِلم الله تعالى تَعلَلَّق أزلًا باستمراره على كُفره وإِغراقه، لجاز أن يخالِف فرعونُ مقتضَى هذا العلم، فيؤمن؛ لأنّ إِيمانه وكُفره مِن فِعله عندهم، لا تَعَلُّق لقدرة الله به بوجهٍ؛ أو يَستمِرّ على كفره، لكنّه يَمتنِع عن نزول البحر عند انفِراقه، فيَسلَم، لأنه مختارٌ تامّ الاختيار عندهم. وفي ذلك كلّه انقلابُ العلم الأزليّ جهلًا؛ وهو محالٌ. وإِنما استمَر على كفره حتى غَرِق بخلق الله ذلك فيه واضطراره كونًا إِليه، كما ضَربنا أمثلتَه. فإِذا نَظَر العارفُ في مِثل هذه التقريرات والدقائق، علم أنّ المعتزلة على ترهاتٍ وشقاشق وجهلٍ بحقائق صفات الخالق. قوله، "وقال: ﴿لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر﴾؛ لأنّه جَعَل فيه من القوّة ذلك، ليَنظر كيف يعملون" قلنا: قد سبق الجوابُ عن تخييرهم لفظًا. والقوّة إِنما جَعَلها على الكسب الدائر مع قُصودهم واختياراتهم، لا على الخلق. بدليل أنّه سبحانه قادرٌ على مَنعِ وقوع الفِعل عند إِرادة الإِنسان له، وعلى إِيقاعه عند عدم إِرادته له؛ كما في حركة النائم والمرتعش. فلمّا دار الفِعلُ مع إِرادة الله وجودًا وعدمًا بالاستحقاق، دَل على أنّ دورانه مع إِرادة العبد إِنما هو على سبيل الاتّفاق؛ حتى لو لم يُرِده، لكان في مقدور الله إِيقاعُه. ومَن أَنكَر قدرةَ الله على ذلك، فهو محجوجٌ بالنصوص والإِجماع؛ ولأنّه سبحانه قادرٌ على خَلقِ الحياةِ في الجمادات، وسلبِها في الحيوانات. وقد خَلَقَ الحياةَ في الحجَر، حتى أَخَذَ ثيابَ موسى وفرَّ.

1 / 224